الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ويملك الموقوف عليه الوقف ، وعنه : لا يملكه ، ويملك صوفه ، ولبنه ، وثمرته ، ونفعه ، وليس له وطء الجارية ، فإن فعل فلا حد عليه ولا مهر ، وإن أتت بولد فهو حر وعليه قيمته ، ويشتري بها ما يقوم مقامه ، وتصير أم ولد له ، وتعتق بموته ، وتجب قيمتها في تركته ، ويشتري بها مثلها وتكون وقفا ، وإن وطئها أجنبي بشبهته فأتت بولد فالولد حر ، وعليه المهر لأهل الوقف وقيمة الولد ، وإن تلفت فعليه قيمتها يشتري بها مثلها ، ويحتمل أن يملك قيمة الولد هاهنا ، وله تزويج الجارية وأخذ مهرها ، وولدها وقف معها ، ويحتمل أن يملكه ، وإن جنى الوقف خطأ فالأرش على الموقوف عليه ، ويحتمل أن يكون في كسبه ، وإذا وقف على ثلاثة ثم على المساكين ، فمن مات منهم رجع نصيبه إلى الآخرين .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( ويملك الموقوف عليه الوقف ) في ظاهر المذهب ; لأنه سبب يزيل التصرف في الرقبة ، فملكه المنتقل إليه كالهبة ، إلا أن يكون مما لا يملك كالمسجد ونحوه ، فإن الملك فيه ينتقل إلى الله تعالى ( وعنه : لا يملكه ) الموقوف عليه ، ويكون [ ص: 329 ] تمليكا لله تعالى ، وهو اختيار ابن أبي موسى ; لأنه إزالة ملك عن العين ، والمنفعة على وجه القربة بتمليك المنفعة فلم ينتقل إلى صاحبها كالعتق ، ولأنه لو انتقل إليه لافتقر إلى قبوله كسائر الأملاك ، وعنه : أنه باق على ملك الواقف ؛ لقوله : إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها ، ولأنه لا يوجب زوال الملك عنه ، فتلزمه الخصومة فيه ، والأول أولى ; لأنه سبب لم يخرج به الملك عن المالية ، فوجب أن ينتقل إليه كالهبة والبيع ، وفارق العتق من حيث إنه إخراج عن حكم المالية ، ولأنه لو كان تمليكا للمنفعة المجردة لم يلزم كالعارية والسكنى ، وقول أحمد : إنهم لا يملكون التصرف في الرقبة جمعا بينهما ، لا يقال : عدم ملكه التصرف فيها يدل على عدم ملكه لها ; لأنه ليس بلازم ، بدليل أم الولد ، فإنه يملكها ، ولا يملك التصرف في رقبتها . ( ويملك صوفه ، ولبنه ، وثمرته ، ونفعه ) بغير خلاف نعلمه ; لأنه نماء ملكه ، قاله في " الشرح " ، ومقتضاه أنه مبني على الملك ، وفيه شيء ، ويستوفيه بنفسه ، وبالإجارة ، والإعارة ، ونحوها ، إلا أن يعين في الوقف غير ذلك ، وينبني على الخلاف ما إذا كان الموقوف ماشية ، فإنه لا تجب زكاتها على الثانية والثالثة ؛ لضعف الملك أو انتفائه ، ووجبت على الموقوف عليه في ظاهر كلامه ، واختاره القاضي في " التعليق " ، والمجد ، وقيل : لا تجب ؛ لضعف الملك ، اختاره في " التلخيص " ، والأصح يخرج المعين فطرته على الأولى ، كعبد اشتري من غلة الوقف لخدمة الوقف ؛ لتمام التصرف فيه ، ذكره أبو المعالي ، والخلاف فيما يقصد به تملك الريع ، أما المسجد والمقبرة فلا خلاف أنه ينقطع عنه اختصاص الآدمي ، ويشبه ذلك الربط والمدارس .

                                                                                                                          [ ص: 330 ] ( وليس له وطء الجارية ) ؛ لأن ملكه ناقص ، ولا يؤمن حبلها فتنقص ، أو تتلف ، أو تخرج من الوقف بأن تبقى أم ولد ، ( فإن فعل فلا حد عليه ) ؛ للشبهة ، ( ولا مهر ) عليه ; لأنه لو وجب لوجب له ، ولا يجب للإنسان شيء على نفسه ، ( وإن أتت بولد فهو حر ) ؛ لأنه من وطء شبهة ، ( وعليه ) أي على الواطئ ( قيمته ) يوم الوضع ( ويشتري بها ما يقوم مقامه ) أي عبد مكانه ; لأنه فوت رقه ، ولأن القيمة بدل عن الوقف ، فوجب أن ترد في مثله ، ( وتصير أم ولد له ) ؛ لأنه أحبلها بحر في ملكه ، وإن قلنا : لا يملكها لم تصر أم ولد له ، صرح به في " المغني " و " الشرح " ; لأنها أجنبية ، ( وتعتق بموته ) كأم الولد ، ( وتجب قيمتها في تركته ) ؛ لأنه أتلفها على من بعده من البطون ( يشتري بها مثلها وتكون وقفا ) لينجبر على البطن الثاني ما فاتهم ، وقيل : يصرف إلى البطن الثاني إن تلقى الوقف من واقفه ، وهو ظاهر كلام جماعة ، فلهم اليمين مع شاهدهم ؛ لثبوت الوقف مع امتناع بعض البطن الأول منها ، فإن كان النصف طلقا فأعتقه مالكه لم يسر إلى الوقف ; لأنه لم يعتق بالمباشرة ، فبالسراية أولى ، ( وإن وطئها أجنبي بشبهة فأتت بولد فالولد حر ) ؛ لاعتقاده أنه وطئ في ملك ، وإن كان عبدا ، وظاهره أنه إذا وطئها مكرهة أو مطاوعة فعليه الحد ؛ لانتفاء الشبهة ، ( وعليه المهر لأهل الوقف ) ؛ لأنه وطئ جاريتهم في غير ملك ، أشبه الأمة المطلقة ، ولأنه عوض المنفعة ، وهي مستحقة لهم ( و ) عليه ( قيمة الولد ) ؛ لأن رقه فات بسبب من جهة ، وهو اعتقاد الحرية ، وتعتبر قيمته يوم تضعه حيا ; لأنه لا يمكن [ ص: 331 ] تقويمه قبل ذلك ، ويكون الولد وقفا معها تبعا لها ( وإن تلفت فعليه ) أي المتلف ، سواء كان أجنبيا أو الواقف ( قيمتها ) ؛ لأنه إتلاف حصل في مستحق الغير ، فوجبت القيمة كما لو أتلف غير الوقف ، وكذا إن كان المتلف الموقوف عليه ; لأنه لا يملك التصرف في الرقبة إنما له المنفعة ( يشتري بها مثلها ) ؛ لأنه أقرب إلى الوفاء بشرط الواقف ، يصير وقفا بالشراء ( ويحتمل أن يملك ) الموقوف عليه ( قيمة الولد ) ؛ لأنه يملك النماء وهو منه ( هاهنا ) يعني إذا وطئها أجنبي بشبهة ( ولا يلزمه قيمة الولد إن أولدها ) ؛ لأن ما تملك قيمته لا تلزمه قيمته .

                                                                                                                          ( وله ) أي للموقوف عليه - ( تزويج الجارية ) في الأصح ; لأنه عقد على منفعتها أشبه الإجارة ، والثاني لا يجوز تزويجها ; لأنه عقد على منفعتها في العمر ، فيفضي إلى تفويت منفعتها في حق من يأتي من البطون ، وهذا الخلاف مبني على الملك ، وحينئذ ليس له أن يتزوجها ، وإن قلنا : هو ملك لله ، فيزوجها حاكم ، ويتزوجها ( وأخذ مهرها ) ؛ لأنه بدل المنفعة ، وهل يستحقها كالأجرة ( وولدها وقف معها ) أي إذا ولدت من زوج أو زنا ; لأن ولد كل ذات رحم حكمه حكمها ، كأم الولد والمكاتبة ( ويحتمل أن يملكه ) ؛ لأنه من نمائها ، كثمرة الشجرة .

                                                                                                                          فرع : إذا طلبت التزويج لزمه إجابتها ; لأنه حق لها طلبته ، فتعينت الإجابة ، وما فات من الحق به يفوت نفعا ، فلا يصلح أن يكون مانعا كغير الموقوفة .

                                                                                                                          ( وإن جنى الوقف ) جناية موجبة للمال ( خطأ فالأرش على الموقوف عليه ) [ ص: 332 ] جزم به الشيخان وفي " الوجيز " ، ومرادهم إذا كان معينا ; لأنه ملكه ، فكانت عليه كجناية أم الولد ولم يتعلق أرشها برقبة الوقف ؛ لأنه لا يمكن بيعه ولا يلزمه أكثر من قيمته كأم الولد ( ويحتمل أن يكون في كسبه ) كما لو يكن معينا كالوقف على المساكين ؛ لأنه ليس له مستحق معين يمكن إيجاب الأرش عليه ، والمذهب إن قلنا : هو ملك لله فالأرش في كسبه لتعذر تعلقه برقبته ؛ لكونه لا يباع ، وبالموقوف عليه لكونه لا يملكه ، وقيل : هو في بيت المال ، وحكاه في " التبصرة " رواية ، كأرش جناية الحر المعسر ، وضعفه في " المغني " بأن الجناية إنما تكون في بيت المال في صورة تحملها العاقلة عند عدمها ، وجناية العبد لا تحملها .

                                                                                                                          تنبيه : لم يتعرض المؤلف إذا جنى جناية موجبة للقود والقطع أنه يجب ، فإن قتل يبطل الوقف لا بقطعه ، ويكون باقيه وقفا كتلفه بفعل الله تعالى ، فإن قتل فالظاهر لا يجب القود كعبد مشترك وتجب القيمة ، وليس للموقوف عليه العفو عنها ؛ لأنه لا يختص بها ، ويشتري بها مثلها يكون وقفا ، ويتوجه اختصاص الموقوف عليه بها إن قلنا : يملكه . وإن قطع طرفه فللعبد القود ، وإن عفا فأرشه يصرف في مثله ، وفي " الترغيب " احتمال كنفعه كجناية بلا تلف طرف ، ويعايا بمملوك لا مالك له ، وهو عبد وقف على خدمة الكعبة ، قاله ابن عقيل في " المنثور " .

                                                                                                                          ( وإذا وقف على ثلاثة ) كزيد ، وعمر ، وبكر ( ثم على المساكين ، فمن مات منهم ) أو رد ( رجع نصيبه إلى الآخرين ) ؛ لأنهما من الموقوف عليهم أولا ، وعوده [ ص: 333 ] إلى المساكين مشروط بانقراضهم ، إذ استحقاق المساكين مرتب ثم ، فإذا مات الثلاثة أو ردوا فللمساكين عملا بشرطه ، فلو وقف على ثلاثة ، ولم يذكر له مآلا ، فمن مات منهم فحكم نصيبه حكم المنقطع كما لو ماتوا جميعا ، قاله الحارثي ، واختار في " القواعد " أنه إلى الباقي ، وهو أظهر .




                                                                                                                          الخدمات العلمية