الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ويشترط في الولي الحرية ، والذكورية ، واتفاق الدين والعقل ، وهل يشترط بلوغه وعدالته ؛ على روايتين ، وإذا كان الأقرب طفلا أو كافرا أو عبدا زوج الأبعد ، وإن عضل الأقرب زوج الأبعد ، وعنه : يزوج الحاكم ، وإن غاب غيبة منقطعة ، زوج الأبعد ، وهي ما لا تقطع إلا بكلفة ومشقة ، وقال الخرقي : ما لا يصل إليه الكتاب ، أو يصل فلا يجيب عنه ، وقال القاضي : ما لا تقطعه القافلة في السنة إلا مرة ، وعن أحمد : إذا كان الأب بعيد السفر ، زوج الأبعد ، فيحتمل أنه أراد ما تقصر فيه الصلاة .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ويشترط في الولي الحرية ) فلا ولاية لعبد ، نص عليه ; لأنه لا ولاية له على نفسه ، فعلى غيره أولى ، وفي " الانتصار " وجه : يلي على ابنته ، ثم جوزه بإذن سيده ، وفي " الروضة " : هل للعبد ولاية على الحرة ؛ فيه روايتان ( والذكورية ) فلا ولاية لامرأة ; لعدم تزويجها نفسها ، وقد سبق ، ( واتفاق الدين ) ومعناه : أن يكون مسلما إن كانت الزوجة مسلمة ، والعكس بالعكس ; إذ الكافر لا ولاية له على المسلم في قول عامة العلماء ; لقوله تعالى والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض [ التوبة : 71 ] وحكاه ابن المنذر لإجماع من يحفظ عنه ، قال أحمد : بلغنا أن عليا أجاز نكاح أخ ، ورد نكاح أب وكان نصرانيا ، والمسلم لا ولاية له على كافرة ; لقوله تعالى والذين كفروا بعضهم أولياء بعض [ الأنفال : 73 ] ( والعقل ) بغير خلاف ; لأن الولاية تثبت نظرا للمولى عليه عند عجزه عن النظر لنفسه ، ومن لا عقل له لا يمكنه النظر ، ولا يلي على نفسه فغيره - بطريق الأولى ، وسواء فيه [ ص: 35 ] الصغير ، ومن ذهب بجنون ، أو كبر كالشيخ الهرم ، فأما المغمى عليه ومن يجن في بعض الأوقات فلا ينعقد ولايتهما على الأشهر ; لأن المغمى عليه مدته يسيرة كالنوم ; ولذلك لا تثبت الولاية عليه ، ويجوز على الأنبياء عليهم السلام ، وفي " الفروع " : إن جن أحيانا ، أو أغمي عليه ، أو نقص عقله بنحو مرض أو أحرم ، انتظر ، نقله ابن الحكم في مجنون ( وهل يشترط بلوغه وعدالته ؛ على روايتين ) ظاهر المذهب يشترط البلوغ ; لأن الولاية يعتبر لها كمال الحال ، ومن لم يبلغ قاصر ; لثبوت الولاية عليه ، والثانية : ليس بشرط ، فعلى هذا يزوج ابن عشر ; لأنه تصح وصيته وطلاقه ، فتثبت له الولاية كالبالغ ، وعنه : اثنتي عشرة سنة .

                                                                                                                          وأما العدالة ، فليست بشرط - في رواية - وهي ظاهر كلام الخرقي ، فعليها يزوج فاسق ; لأنه يلي نكاح نفسه ، فغيره أولى ، والثانية ، وهي أنصهما : تشترط ، واختارها ابن أبي موسى ، وابن حامد ، والقاضي وأصحابه ; لما روى الشالنجي بإسناده ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : لا نكاح إلا بولي مرشد أو سلطان ، وعن جابر معناه مرفوعا رواه البرقاني ; ولأنها إحدى الولايتين ، فنافاها الفسق كولاية المال ، وعليها يكتفى بمستور الحال على ما جزم الشيخان ، ويستثنى منه السلطان الرشيد ، وحكى ابن حمدان ثالثة : أن الفاسق يلي نكاح عتيقته فقط كما قبل العتق ، وقال الشيخ تقي الدين : إذا قلنا : الولاية الشرطية تبقى مع الفسق ، فالولاية الشرعية أولى ، قال الزركشي : وفيه نظر ; إذ الولاية الشرطية يلحظ فيها حظ الموصي ونظره ، بخلافه هنا .

                                                                                                                          أصل : يشترط فيه الرشد بأن يعرف مصالح النكاح ، ومعرفة الكفء ، فلا [ ص: 36 ] يضعها عند من لا يحفظها ولا يكافئها ، وقال القاضي ، وابن عقيل ، وغيرهما : يشترط معرفته بالمصالح ، وهو أظهر ، وفي " شرح المحرر " : هو ضد السفيه ، ولا يشترط نطقه إذا فهمت إشارته ، والأصح : ولا بصره ; لأن شعيبا زوج ابنته وهو أعمى ; ولحصول المقصود بالبحث والسماع .

                                                                                                                          ( وإذا كان الأقرب طفلا أو كافرا أو عبدا ، زوج الأبعد ) من عصبتها ; لأن وجودهم كالعدم ، وقوله : طفلا يحتمل أن يريد المميز ، وهو ظاهر العرف ، فعليه تصح ولاية المميز ، وهو إحدى الروايتين مقيدا بابن عشر ، أشبه البالغ ، ويحتمل أن يريد البالغ ، وهو ظاهر كلامه ; لقوله تعالى وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا [ النور : 59 ] ( وإن عضل الأقرب ) فلم يزوجها بكفء رضيته ، ورغب كل منهما في صاحبه بما صح مهرا ( زوج الأبعد ) نص عليه كما لو جن ، وحديث معقل بن يسار شاهد بذلك ، وفيه نزل قوله تعالى وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن [ البقرة : 232 ] قال : وكفرت عن يميني ، وأنكحتها إياه . لكن لو رضيت بغير كفء ، كان للولي منعها منه ، فلو اختلفا في تعيين الكفء ، قدم تعيينها عليه حتى إنه يعضل بالمنع ويفسق به إن تكرر منه ، ولم يذكر المؤلف التكرر ( وعنه : يزوج الحاكم ) اختاره أبو بكر ; لقوله : فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له والحاكم نائب عنه ، وكما لو كان عليه دين وامتنع من قضائه ، والأول أصح ، والحديث المذكور لا حجة فيه ، والفرق بين الولاية والدين من أوجه ، أحدها : أن الولاية حق عليه ، وثانيها : [ ص: 37 ] أن الولاية تنتقل عنه بفسق ونحوه ، بخلاف الدين ، وثالثها : أن الولاية تعتبر في بقائها العدالة ، وقد زالت بالعضل والدين لا يعتبر فيه ذلك ، نعم إذا اشتجروا جميعا زوج الحاكم ( وإن غاب غيبة منقطعة ، زوج الأبعد ) ; لأنه قد تعذر التزويج من الأقرب ، فوجب أن ينتقل إلى من يليه ، كما لو جن ، وقال ابن عقيل : ليس فيه سلب من الولاية ، لكن مشترك بينهما ، بدليل ما لو زوج الغائب في مكانه ، أو وكل فيه ، فإنه يصح ، وكذا لو وكل ثم غاب ، بخلاف ما لو وكل ثم جن ، وفي " التعليق " : إذا زوج أو وكل في الغيبة ، فالولاية باقية ; لانتفاء الضرر ، وإلا سقطت ، وحكى قولا كالأول ، وذكر في " الانتصار " وجها : لا تنتقل ولاية مال إليه بالغيبة ، ويستثنى منه ما لم تكن أمة ، فيزوجها الحاكم ( وهي ما لا تقطع إلا بكلفة ومشقة ) في ظاهر كلامه ، نص عليه ، واختاره أبو بكر والشيخان ; لأن أهل العراق يعدون ذلك مضرا ، قال المؤلف : وهذا القول أقرب إلى الصواب ; فإن التحديد بابه التوقيف ولا توقيف ، ( وقال الخرقي : ما لا يصل إليه الكتاب ) كمن هو في أقصى بلاد الهند ( أو يصل فلا يجيب عنه ) قد أومأ أحمد إلى هذا في رواية الأثرم ، قال : المنقطع الذي لا تصل إليه الأخبار ; لأن مثل ذلك تتعذر مراجعته ، فيلحق الضرر بانتظاره ( وقال القاضي ) في " تعليقه " ، وأبو الخطاب في " خلافه الصغير " وهو رواية ( ما لا تقطعه القافلة في السنة إلا مرة ) كسفر الحجاز ; لأن الكفء ينتظر سنة ، ولا ينتظر أكثر منها ، فيلحق الضرر بترك تزويجها ، ( وعن أحمد : إذا كان الأب بعيد السفر ، زوج الأبعد ، فيحتمل أنه أراد ما تقصر فيه الصلاة ) ; لأن الشارع جعله بعيدا ، وعلق عليه رخص [ ص: 38 ] السفر ، وذكر أبو الخطاب والمجد رواية : أن الحاكم يزوج كما في العضل ; إذ الأبعد محجوب بالأقرب ، والولاية باقية ، فقام الحاكم مقامه فيها ، وقيل ما تستضر به الزوجة ، وقيل : فوت كفء راغب ، ويلحق بذلك ما لو تعذرت مراجعته كأسير ، أو لم يعلم مكانه ، أو كان مجهولا لا يعلم أنه عصبة ثم علم ، قاله الشيخ تقي الدين ، أو زوجت بنت ملاعنة ، ثم استلحقها أب ، فكبعيد ، وإن زوج الأبعد بدون ذلك فكفضولي ، وإن تزوج لغيره ، فقيل : لا يصح كذمته ، وقيل : كفضولي ، ومن تزوج أمة غيره ، فملكها من تحرم عليه ، فإن أجازه فوجهان .




                                                                                                                          الخدمات العلمية