الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  [ ص: 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم.

                                                                                                                                                                                  الحمد لله الذي أوضح وجوه معالم الدين وأفضح وجوه الشك بكشف النقاب عن وجه اليقين بالعلماء المستنبطين الراسخين، والفضلاء المحققين الشامخين الذين نزهوا كلام سيد المرسلين المميزين عن زيف المخلطين المدلسين، ورفعوا مناره بنصب العلائم، وأسندوا عمده بأقوى الدعائم حتى صار مرفوعا بالبناء العالي المشيد، وبالإحكام الموثق المدمج المؤكد، مسلسلا بسلسلة الحفظ والإسناد غير منقطع ولا واه إلى يوم التناد، ولا موقوف على غيره من المباني، ولا معضل ما فيه من المعاني.

                                                                                                                                                                                  والصلاة على من بعث بالدين الصحيح الحسن والحق الصريح السنن، الخالي عن العلل القادحة، والسالم من الطعن في أدلته الراجحة محمد المستأثر بالخصال الحميدة، والمجتبى المختص بالخلال السعيدة، وعلى آله وصحبه الكرام مؤيدي الدين، ومظهري الإسلام وعلى التابعين بالخير والإحسان، وعلى علماء الأمة في كل زمان ما تغرد قمري على الورد والبان، وناح عندليب على نور الأقحوان .

                                                                                                                                                                                  وبعد فإن عاني رحمة ربه الغني أبا محمد محمود بن أحمد العيني عامله ربه ووالديه بلطفه الخفي يقول: إن السنة إحدى الحجج القاطعة، وأوضح المحجة الساطعة، وبها ثبوت أكثر الأحكام وعليها مدار العلماء الأعلام وكيف لا وهي القول والفعل من سيد الأنام في بيان الحلال والحرام اللذين عليهما مبنى الإسلام، فصرف الأعمار في استخراج كنوزها من أهم الأمور، وتوجيه الأفكار في استكشاف رموزها من تعمير العمور، لها منقبة تجلت عن الحسن والبها، ومرتبة جلت بالبهجة والسنا وهي أنوار الهداية ومطالعها، ووسائل الدراية وذرائعها وهي من مختارات العلوم عينها ومن متنقدات نقود المعارف فضها وعينها، ولولاها لما بان الخطأ عن الصواب، ولا تميز الشراب من السراب.

                                                                                                                                                                                  ولقد تصدت طائفة من السلف الكرام ممن كساهم الله تعالى جلابيب الفهم والإفهام، ومكنهم من انتقاد الألفاظ الفصيحة المؤسسة على المعاني الصحيحة وأقدرهم على الحفظ بالحفاظ من المتون والألفاظ إلى جمع سنن من سنن سيد المرسلين هادية إلى طرائق شرائع الدين، وتدوين ما تفرق منها في أقطار بلاد المسلمين بتفرق الصحابة والتابعين الحاملين، وبذلك حفظت السنن، وحفظ لها السنن وسلمت عن زيغ المبتدعين، وتحريف الجهلة المدعين فمنهم الحافظ الحفيظ الشهير المميز الناقد البصير الذي شهدت بحفظه العلماء الثقات واعترفت بضبطه المشايخ الأثبات، ولم ينكر فضله علماء هذا الشأن، ولا تنازع في صحة تنقيده اثنان الإمام الهمام حجة الإسلام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري أسكنه الله تعالى بحابيح جنانه بعفوه الجاري، وقد دون في السنة كتابا فاق على أمثاله وتميز على أشكاله ووشحه بجواهر الألفاظ من درر المعاني ورشحه بالتبويبات الغريبة المباني بحيث قد أطبق على قبوله بلا خلاف علماء الأسلاف والأخلاف، فلذلك أصبح العلماء الراسخون الذين تلألأ في ظلم الليالي أنوار قرائحهم الوقادة، واستنار على صفحات الأيام آثار خواطرهم النقادة قد حكموا بوجوب معرفته، وأفرطوا في قريضته ومدحته ثم [ ص: 3 ] تصدى لشرحه جماعة من الفضلاء وطائفة من الأذكياء من السلف النحارير المحققين وممن عاصرناهم من المهرة المدققين فمنهم من أخذ جانب التطويل وشحنه من الأبحاث بما عليه الاعتماد والتعويل، ومنهم من لازم الاختصار في البحث عما في المتون ووشحه بجواهر النكات والعيون، ومنهم من أخذ جانب التوسط مع سوق الفوائد ورصعه بقلائد الفرائد، ولكن الشرح أي الشرح ما يشفي العليل، ويبل الأكباد ويروي الغليل حتى يرغب فيه الطلاب، ويسرع إلى خطبته الخطاب سيما هذا الكتاب الذي هو بحر يتلاطم أمواجا، رأيت الناس يدخلون فيه أفواجا فمن خاض فيه ظفر بكنز لا ينفد أبدا وفاز بجواهره التي لا تحصى عددا.

                                                                                                                                                                                  وقد كان يختلج في خلدي أن أخوض في هذا البحر العظيم لأفوز من جواهره ولآليه بشيء جسيم، ولكني كنت أستهيب من عظمته أن أحول حوله، ولا أرى لنفسي قابلية لمقابلتها هوله ثم إني لما رحلت إلى البلاد الشمالية الندية قبل الثمانمائة من الهجرة الأحمدية مستصحبا في أسفاري هذا الكتاب لنشر فضله عند ذوي الألباب ظفرت هناك من بعض مشايخنا بغرائب النوادر، وفوائد كاللآلي الزواهر مما يتعلق باستخراج ما فيه من الكنوز، واستكشاف ما فيه من الرموز ثم لما عدت إلى الديار المصرية ديار خير وفضل وأمنية أقمت بها برهة من الخريف مشتغلا بالعلم الشريف ثم اخترعت شرحا لكتاب معاني الآثار المنقولة من كلام سيد الأبرار تصنيف حجة الإسلام الجهبذ العلامة الإمام أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي أسكنه الله تعالى من الجنان في أحسن المآوي، ثم أنشأت شرحا على سنن أبي داود السجستاني بوأه الله دار الجنان فعاقني من عوائق الدهر ما شغلني عن التتميم واستولى علي من الهموم ما يخرج عن الحصر والتقسيم، ثم لما انجلى عني ظلامها وتجلى علي قتامها في هذه الدولة المؤيدية والأيام الزاهرة السنية ندبتني إلى شرح هذا الكتاب أمور حصلت في هذا الباب.

                                                                                                                                                                                  (الأول) أن يعلم أن في الزوايا خبايا وأن العلم من منايح الله عز وجل ومن أفضل العطايا.

                                                                                                                                                                                  (والثاني) إظهار ما منحني الله من فضله الغزير، وإقداره إياي على أخذ شيء من علمه الكثير والشكر مما يزيد النعمة، ومن الشكر إظهار العلم للأمة.

                                                                                                                                                                                  (والثالث) كثرة دعاء بعض الأصحاب بالتصدي لشرح هذا الكتاب على أني قد أملتهم بسوف ولعل ولم يجد ذلك بما قل وجل وخادعتهم عما وجهوا إلي بأخادع الالتماس ووادعتهم من يوم إلى يوم وضرب أخماس لأسداس والسبب في ذلك أن أنواع العلوم على كثرة شجونها وغزارة تشعب فنونها عز على الناس مرامها واستعصى عليهم زمامها صارت الفضائل مطموسة المعالم مخفوضة الدعائم وقد عفت أطلالها ورسومها واندرست معالمها وتغير منثورها ومنظومها وزالت صواها وضعفت قواها.


                                                                                                                                                                                  كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس ولم يسمر بمكة سامر

                                                                                                                                                                                  ومع هذا فالناس فيما تعبت فيه الأرواح وهزلت فيه الأشباح على قسمين متباينين:

                                                                                                                                                                                  قسم هم حسدة ليس عندهم إلا جهل محض وطعن وقدح وعض لكونهم بمعزل عن انتزاع أبكار المعاني وعن تفتيق ما رتق من المباني فالمعاني عندهم تحت الألفاظ مستورة وأزهارها من وراء الأكمام زاهرة منظورة.


                                                                                                                                                                                  إذا لم يكن للمرء عين صحيحة     فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفر

                                                                                                                                                                                  وصنف هم ذوو فضائل وكمالات وعندهم لأهل الفضل اعتبارات، المنصفون اللاحظون إلى أصحاب الفضائل والتحقيق وإلى أرباب الفواضل والتدقيق بعين الإعظام والإجلال والمرفرفون عليهم أجنحة الأكرام والأشبال والمعترفون بما تلقنوا من الألفاظ ما هي كالدر المنثور والأري المنشور والسحر الحلال والماء الزلال، وقليل ما هم وهم كالكثير فالواحد منهم كالجم الغفير فهذا الواحد هو المراد الغارد، ولكن أين ذاك الواحد ثم إني أجبتهم بأن من تصدى للتصنيف يجعل نفسه هدفا للتعسيف ويتحدث فيه بما فيه وما ليس فيه وينبذ كلامه بما فيه التقبيح والتشويه فقالوا ما أنت بأول من عورض ولا بأول من كلامه قد نوقض فإن هذا داء قديم وليس منها سالم إلا وهو سليم فالتقيد بهذا يسد أبواب العلوم عن فتحها والاكتراث به يصد عن التمييز بين محاسن الأشياء وقبحها.

                                                                                                                                                                                  (هذا) ولما لم يرتدعوا عن سؤالهم ولم أجد بدا عن آمالهم شمرت ذيل الحزم عن ساق الجزم، وأنخت مطيتي [ ص: 4 ] وحللت حقيبتي ونزلت في فناء ربع هذا الكتاب لأظهر ما فيه من الأمور الصعاب وأبين ما فيه من المعضلات وأوضح ما فيه من المشكلات، وأورد فيه من سائر الفنون بالبيان ما صعب منه على الأقران بحيث إن الناظر فيه بالإنصاف المتجنب عن جانب الاعتساف إن أراد ما يتعلق بالمنقول ظفر بآماله وإن أراد ما يتعلق بالمعقول فاز بكماله، وما طلب من الكمالات يلقاه وما ظفر من النوادر والنكات يرضاه على أنهم قد ظنوا في قوة لإبلاغهم المرام وقدرة على تحصيل الفهم والإفهام ولعمري ظنهم في معرض التعديل لأن المؤمن لا يظن في أخيه إلا بالجميل مع أني بالتقصير لمعترف ومن بحر الخطايا لمغترف ولكني أتشبه بهم متمنيا أن تكون لي حلية في ميادينهم وشجرة مثمرة في بساتينهم على أني لا أرى لنفسي منزلة تعد من منازلهم، ولا لذاتي منهل مورد يكون بين مناهلهم ولكني أرجو والرجاء من عادة الحازمين الضابطين، واليأس من عادة الغافلين القانطين ثم إني قدحت أفكاري بزناد الذكاء حتى أورت أنوارا انكشفت بها مستورات هذا الكتاب وتصديت لتجليته على منصة التحقيق حتى كشف عن وجهه النقاب، واجتهدت بالسهر الطويل في الليالي الطويلة حتى ميزت من الكلام ما هي الصحيحة من العليلة، وخضت في بحار التدقيق سائلا من الله الإجابة والتوفيق، حتى ظفرت بدرر استخرجتها من الأصداف، وبجواهر أخرجتها من الغلاف حتى أضاء بها ما أبهم من معانيه على أكثر الطلاب وتحلى بها ما كان عاطلا من شروح هذا الكتاب فجاء بحمد الله وتوفيقه فوق ما في الخواطر فائقا على سائر الشروح بكثرة الفوائد والنوادر مترجما بكتاب (عمدة القاري في شرح البخاري) ومأمولي من الناظر فيه أن ينظر بالإنصاف ويترك جانب الطعن والاعتساف فإن رأى حسنا يشكر سعي زائره ويعترف بفضل عاثره أو خللا يصلحه أداء حق الأخوة في الدين فإن الإنسان غير معصوم عن زلل مبين.


                                                                                                                                                                                  فإن تجد عيبا فسد الخللا     فجل من لا عيب فيه وعلا

                                                                                                                                                                                  فالمنصف لا يشتغل بالبحث عن عيب مفضح والمتعسف لا يعترف بالحق الموضح.


                                                                                                                                                                                  فعين الرضا عن كل عيب كليلة     ولكن عين السخط تبدي المساويا

                                                                                                                                                                                  فالله عز وجل يرضى عن المنصف في سواء السبيل ويوفق المتعسف حتى يرجع عن الأباطيل ويمتع بهذا الكتاب المسلمين من العالمين العاملين فإني جعلته ذخيرة ليوم الدين وأخلصت فيه باليقين والله لا يضيع أجر المحسنين وهو على كل شيء قدير وبالإجابة لدعانا جدير، وبه الإعانة في التحقيق وبيده أزمة التوفيق.

                                                                                                                                                                                  أما إسنادي في هذا الكتاب إلى الإمام البخاري رحمه الله فمن طريقين عن محدثين كبيرين.

                                                                                                                                                                                  (الأول) الشيخ الإمام العلامة مفتي الأنام شيخ الإسلام حافظ مصر والشام زين الدين عبد الرحيم بن أبي المحاسن حسين بن عبد الرحمن العراقي الشافعي أسكنه الله تعالى بحابيح جنانه، وكساه جلابيب عفوه وغفرانه توفي ليلة الأربعاء الثامنة من شعبان من سنة ست وثمانمائة بالقاهرة فسمعته عليه من أوله إلى آخره في مجالس متعددة آخرها آخر شهر رمضان المعظم قدره من سنة ثمان وثمانين وسبعمائة بجامع القلعة بظاهر القاهرة المعزية حماها الله عن الآفات بقراءة الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد بن منصور الأشموني الحنفي رحمه الله بحق سماعه لجميع الكتاب من الشيخين أبي علي عبد الرحيم بن عبد الله بن يوسف الأنصاري، وقاضي القضاة علاء الدين علي بن عثمان بن مصطفى بن التركماني مجتمعين.

                                                                                                                                                                                  قال الأول: أخبرنا أبو العباس أحمد بن علي بن يوسف الدمشقي وأبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن رشيق الربعي، وأبو الطاهر إسماعيل بن عبد القوي بن أبي العز بن عزوان سماعا عليهم خلا من باب المسافر إذا جد به السير تعجل إلى أهله في أواخر كتاب الحج إلى أول كتاب الصيام وخلا من باب ما يجوز من الشروط في المكاتب إلى باب الشروط في الجهاد وخلا من باب غزو المرأة في البحر إلى دعاء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إلى الإسلام فأجازه منهم قالوا: أخبرنا هبة الله بن علي بن مسعود البوصيري، وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن حامد الأرتاحي، قال البوصيري: أنا أبو عبد الله محمد بن بركات السعيدي وقال الأرتاحي: أخبرنا علي بن عمر الفراء إجازة قالا: أخبرتنا كريمة بنت أحمد المروزية قالت: أخبرنا أبو الهيثم محمد بن مكي الكشميهني، وقال الثاني: أخبرنا جماعة منهم أبو الحسن علي بن محمد بن هارون القاري قال: أنا عبد الله الحسين بن المبارك الزبيدي قال: أخبرنا أبو الوقت [ ص: 5 ] عبد الأول بن عيسى السجزي قال: أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن المظفر الداودي قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حمويه قال هو والكشميهني: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر الفربري قال: ثنا الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله.

                                                                                                                                                                                  (والثاني) الشيخ الإمام العالم المحدث الكبير تقي الدين محمد بن معين الدين محمد بن زين الدين عبد الرحمن بن حيدرة بن عمرو بن محمد الدجوي المصري الشافعي رحمه الله رحمة واسعة فسمعته عليه من أوله إلى آخره في مجالس متعددة آخرها آخر شهر رمضان المعظم قدره من سنة خمس وثمانمائة بالقاهرة بقراءة الشيخ الإمام القاضي شهاب الدين أحمد بن محمد الشهير بابن التقي المالكي بحق قراءته جميع الكتاب على الشيخين المسندين زين الدين أبي القاسم عبد الرحمن بن الشيخ أبي الحسن علي بن محمد بن هارون الثعلبي، وصلاح الدين خليل بن طرنطاي بن عبد الله الزيني العادلي بسماع الأول على والده وعلى أبي الحسن علي بن عبد الغني بن محمد بن أبي القاسم بن تيمية بسماع والده من أبي عبد الله الحسين بن الزبيدي في الرابعة، وبسماع ابن تيمية من أبي الحسن علي بن أبي بكر بن روزبة القلانسي بسماعهما من أبي الوقت وبسماع الأول أيضا على أبي عبد الله محمد بن مكي بن أبي الذكر الصقلي بسماع ابن أبي الذكر من أبي الزبيدي (ح) وبسماع والده أيضا في الرابعة من الإمام الحافظ أبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن صلاح قال: أنا منصور بن عبد المنعم الفراوي قال: أنا المشايخ الأربعة أبو المعالي محمد بن إسماعيل الفارسي وأبو بكر وجيه بن طاهر الشحامي وأبو محمد بن عبد الوهاب بن شاه الشاذياخي وأبو عبد الله بن محمد بن الفضل الفراوي سماعا وإجازة قال الفارسي ومحمد بن الفضل: أنا سعيد بن أبي سعيد العيار قال: أنا أبو علي بن محمد بن عمر بن شبويه وقال الشحامي والشاذياخي ومحمد بن الفضل الفراوي: أنا أبو سهل بن محمد بن أحمد بن عبد الله الحفصي قال: أنا أبو الهيثم محمد بن مكي بن محمد الكشميهني بسماعه وسماع ابن شبويه من الفربري ثنا الإمام البخاري رحمه الله (ح) وبسماع الثاني وهو خليل الطرنطاي من أبي العباس أحمد بن أبي طالب نعمة بن حسن بن علي بن بيات الصالحي ابن الشحنة الحجار وأم محمد وزيرة ابنة عمرو بن أسعد بن المنجا قال: أنا ابن الزبيدي قال: أنا أبو الوقت عبد الأول السجزي قال: أنا جمال الإسلام أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر الداودي قال: أنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه قال: أنا أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر الفربري قال: ثنا الإمام البخاري رحمه الله تعالى.

                                                                                                                                                                                  (فوائد) الأولى سمى البخاري كتابه بالجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه وهو أول كتابه وأول كتاب صنف في الحديث الصحيح المجرد، وصنفه في ست عشرة سنة ببخارى قاله ابن طاهر، وقيل: بمكة قاله ابن البجير سمعته يقول: صنفت في المسجد الحرام وما أدخلت فيه حديثا إلا بعدما استخرت الله تعالى وصليت ركعتين وتيقنت صحته ويجمع بأنه كان يصنف فيه بمكة والمدينة والبصرة وبخارى فإنه مكث فيه ست عشرة سنة كما ذكرنا، وفي تاريخ نيسابور للحاكم عن أبي عمرو إسماعيل ثنا أبو عبد الله محمد بن علي قال: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: أقمت بالبصرة خمس سنين معي كتبي أصنف وأحج كل سنة وأرجع من مكة إلى البصرة قال: وأنا أرجو أن الله تعالى يبارك للمسلمين في هذه المصنفات.

                                                                                                                                                                                  (الثانية) اتفق علماء الشرق والغرب على أنه ليس بعد كتاب الله تعالى أصح من صحيحي البخاري ومسلم فرجح البعض منهم المغاربة صحيح مسلم على صحيح البخاري والجمهور على ترجيح البخاري على مسلم لأنه أكثر فوائد منه، وقال النسائي ما في هذه الكتب أجود منه قال الإسماعيلي: ومما يرجح به أنه لا بد من ثبوت اللقاء عنده وخالفه مسلم واكتفى بإمكانه وشرطهما أن لا يذكر إلا ما رواه صحابي مشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم له راويان ثقتان فأكثر ثم يرويه عنه تابعي مشهور بالرواية عن الصحابة له أيضا راويان ثقتان فأكثر ثم يرويه عنه من أتباع الأتباع الحافظ المتقن المشهور على ذلك الشرط ثم كذلك.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية