الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما نسبوه أولا إلى الضلال وهو قد يكون خطأ عن ذهول ونحوه ، فأقام لهم الدليل على أنه على الصواب - أخبر أنه لم يتسبب عن ذلك إلا تصريحهم بما لوحوا إليه أولا بالضلال من التكذيب فقال : فكذبوه أي : الملأ وتبعهم من دونهم; ولما تسبب عن تكذيبهم له تصديق الله لهم بإهلاكهم وإنجائه ومن آمن به ، قال مقدما لإنجائه اهتماما به : فأنجيناه بما لنا من العظمة من أهل الأرض كلهم ومن عذابنا الذي أخذناهم به : والذين معه أي : بصحبة الأعمال الدينية في الفلك وهو السفينة التي من الله على الناس بتعليمه عملها لتقيه من الطوفان فكانت آية ومنفعة عظيمة لمن أتى بعدهم وأغرقنا أي : بالطوفان ، وهو الماء الذي طبق ظهر الأرض فلم يبق منها موضعا حتى أحاط به ، وأظهر موضع الإضمار تعليقا للفعل بالوصف إشارة إلى أن من فعل مع الرسول شيئا فإنما فعله مع مرسله فهو يجازيه بما يستحقه ، فقال : الذين كذبوا بآياتنا أي : وهي من الظهور في حد لا خفاء به لما لها من العظمة بالنسبة إلينا ، وعدي هنا فعل النجاة بالهمزة وهي الأصل في التعدية ، وقرنت بـ : " الذين " لأنه أخلص الموصولات وأصرحها. [ ص: 432 ] ولما أعيدت القصة في سورة يونس - عليه السلام - كان الأليق بكلام البلغاء والأشبه بطرائق الفصحاء التفنن في العبارة ، فعدي التضعيف مع ما فيه من الأبلغية بإفهام مزيد الاعتناء مناسبة لما تقدم من مزيد التفويض في قوله : فأجمعوا أمركم وشركاءكم وتلا بـ : " من " ضما للفرع إلى الفرع فإن " من " مشترك بين الوصل والشرط ، وهي أيضا قد تطلق على ما لا يعقل ، فناسب ذلك الحال ، وزيد هناك في وصف الناجين وجعلناهم خلائف نظرا إلى قوله تعالى في في أول السورة : ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا ثم قال : ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون فلوح لهم بالإهلاك إن ظلموا ، ثم أشار لهم - في قصة نوح - عليه السلام - بكونه أعلمهم أن الخلائف هم الناجون الباقي ذكرهم وذريتهم - إلى أنه تفضل عليهم بالتوفيق إلى الإجابة ورحمهم بهذا النبي الكريم - عليه أفضل الصلاة والتسليم - فقضى أنهم غير مهلكين .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما افتتحت القصة بنسبتهم له إلى الضلال باطلا ، وهو ناشئ عن عمى البصيرة أو البصر ، ناسب أن يقلب الأمر عليهم على وجه الحق ، فقال مؤكدا لإنكارهم ذلك إنهم كانوا أي : لما جبلتهم من العوج [ ص: 433 ] قوما عمين أي : مطبوعين في عمى القلب مع قوتهم فيما يحاولونه ، ثابت لهم ذلك ، بما أشار إليه فعل دون أن يقال فاعل ، وختمت القصة في يونس بقوله

                                                                                                                                                                                                                                      فانظر كيف كان عاقبة المنذرين لقوله أولها إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري أي : إنذاري لأنه أعلم أنه كبر عليهم ولو كان تبشيرا لما عز عليهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية