الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أما قوله : ( مره فليراجعها ) ، فالمراجعة قد وقعت في كلام الله ورسوله على ثلاث معان :

أحدها : ابتداء النكاح ، كقوله تعالى : ( فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله ) [ البقرة : 230 ] ، ولا خلاف بين أحد من أهل العلم بالقرآن أن المطلق هاهنا : هو الزوج الثاني ، وأن التراجع بينها وبين الزوج الأول ، وذلك نكاح مبتدأ .

وثانيهما : الرد الحسي إلى الحالة التي كان عليها أولا ، ( كقوله لأبي النعمان بن بشير لما نحل ابنه غلاما خصه به دون ولده : رده ) ، فهذا رد ما لم تصح فيه الهبة الجائزة التي سماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -جورا وأخبر أنها لا تصلح ، وأنها خلاف العدل ، كما سيأتي تقريره إن شاء الله تعالى .

ومن هذا قوله لمن فرق بين جارية وولدها في البيع ، فنهاه عن ذلك ، ورد البيع ، وليس هذا الرد مستلزما لصحة البيع ، فإنه بيع باطل ، بل هو رد شيئين إلى حالة اجتماعهما كما كانا ، وهكذا الأمر بمراجعة ابن عمر امرأته ارتجاع ورد إلى حالة الاجتماع كما كانا قبل الطلاق ، وليس في ذلك ما يقتضي وقوع الطلاق في الحيض البتة .

وأما قوله : ( أرأيت إن عجز واستحمق ) ، فيا سبحان الله أين البيان في هذا اللفظ بأن تلك الطلقة حسبها عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأحكام لا تؤخذ بمثل هذا، ولو كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد حسبها عليه واعتد عليه بها - لم يعدل عن الجواب بفعله وشرعه إلى : أرأيت ، وكان ابن عمر أكره ما إليه " أرأيت " [ ص: 209 ] فكيف يعدل للسائل عن صريح السنة إلى لفظة " أرأيت " الدالة على نوع من الرأي سببه عجز المطلق وحمقه عن إيقاع الطلاق على الوجه الذي أذن الله له فيه ، والأظهر فيما هذه صفته أنه لا يعتد به ، وأنه ساقط من فعل فاعله ، لأنه ليس في دين الله تعالى حكم نافذ سببه العجز والحمق عن امتثال الأمر ، إلا أن يكون فعلا لا يمكن رده بخلاف العقود المحرمة التي من عقدها على الوجه المحرم ، فقد عجز واستحمق ، وحينئذ فيقال : هذا أدل على الرد منه على الصحة واللزوم ، فإنه عقد عاجز أحمق على خلاف أمر الله ورسوله ، فيكون مردودا باطلا ، فهذا الرأي والقياس أدل على بطلان طلاق من عجز واستحمق منه على صحته واعتباره .

وأما قوله : فحسبت من طلاقها . ففعل مبني لما لم يسم فاعله ، فإذا سمي فاعله ، ظهر ، وتبين هل في حسبانه حجة أو لا ؟ وليس في حسبان الفاعل المجهول دليل البتة . وسواء كان القائل " فحسبت " ابن عمر أو نافعا أو من دونه ، وليس فيه بيان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي حسبها حتى تلزم الحجة به ، وتحرم مخالفته ، فقد تبين أن سائر الأحاديث لا تخالف حديث أبي الزبير ، وأنه صريح في أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يرها شيئا ، وسائر الأحاديث مجملة لا بيان فيها .

التالي السابق


الخدمات العلمية