الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب الأخذ باليدين وصافح حماد بن زيد ابن المبارك بيديه

                                                                                                                                                                                                        5910 حدثنا أبو نعيم حدثنا سيف قال سمعت مجاهدا يقول حدثني عبد الله بن سخبرة أبو معمر قال سمعت ابن مسعود يقول علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفي بين كفيه التشهد كما يعلمني السورة من القرآن التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وهو بين ظهرانينا فلما قبض قلنا السلام يعني على النبي صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله باب الأخذ باليد كذا في رواية أبي ذر عن الحموي والمستملي وللباقين " باليدين " وفي نسخة " باليمين " وهو غلط وسقطت هذه الترجمة وأثرها وحديثها من رواية النسفي .

                                                                                                                                                                                                        قوله وصافح حماد بن زيد ابن المبارك بيديه وصله غنجار في " تاريخ بخارى " من طريق إسحاق بن أحمد بن خلف قال سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول سمع أبي من مالك ، ورأى حماد بن زيد يصافح ابن المبارك بكلتا يديه . وذكر البخاري في " التاريخ " في ترجمة أبيه نحوه وقال في ترجمة عبد الله بن سلمة المرادي : حدثني أصحابنا يحيى وغيره عن أبي إسماعيل بن إبراهيم قال رأيت حماد بن زيد وجاءه ابن المبارك بمكة فصافحه بكلتا يديه ويحيى المذكور هو ابن جعفر البيكندي .

                                                                                                                                                                                                        وقد أخرج الترمذي من حديث ابن مسعود رفعه من تمام التحية الأخذ باليد وفي سنده ضعف وحكى الترمذي عن البخاري أنه رجح أنه موقوف على عبد الرحمن بن يزيد النخعي أحد التابعين وأخرج ابن المبارك في " كتاب البر والصلة " من حديث أنس : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا لقي الرجل لا ينزع يده حتى يكون هو الذي ينزع يده ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون هو الذي يصرفه .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 59 ] 9361 قوله علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكفي بين كفيه التشهد كذا عنده بتأخير المفعول عن الجملة الحالية وفي رواية أبي بكر بن أبي شيبة الآتي التنبيه عليها بتقديم المفعول وهو لفظ التشهد

                                                                                                                                                                                                        قوله في آخره وهو بين ظهرانينا ) بفتح النون وسكون التحتانية ثم نون أصله ظهرنا والتثنية باعتبار المتقدم عنه والمتأخر أي كائن بيننا والألف والنون زيادة للتأكيد ولا يجوز كسر النون الأولى قاله الجوهري وغيره

                                                                                                                                                                                                        قوله فلما قبض قلنا : السلام يعني على النبي - صلى الله عليه وسلم - هكذا جاء في هذه الرواية وقد تقدم الكلام على حديث التشهد هذا في أواخر صفة الصلاة قبيل كتاب الجمعة من رواية شقيق بن سلمة عن ابن مسعود وليست فيه هذه الزيادة وتقدم شرحه مستوفى وأما هذه الزيادة فظاهرها أنهم كانوا يقولون " السلام عليك أيها النبي " بكاف الخطاب في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما مات النبي - صلى الله عليه وسلم - تركوا الخطاب وذكروه بلفظ الغيبة فصاروا يقولون " السلام على النبي " وأما قوله في آخره يعني على النبي فالقائل " يعني " هو البخاري ، وإلا فقد أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده ومصنفه عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه فقال في آخره : فلما قبض - صلى الله عليه وسلم - قلنا السلام على النبي .

                                                                                                                                                                                                        وهكذا أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم من طريق أبي بكر وقد أشبعت القول في هذا عند شرح الحديث المذكور قال ابن بطال : الأخذ باليد هو مبالغة المصافحة وذلك مستحب عند العلماء وإنما اختلفوا في تقبيل اليد فأنكره مالك وأنكر ما روي فيه وأجازه آخرون واحتجوا بما روي عن عمر أنهم " لما رجعوا من الغزو حيث فروا قالوا نحن الفرارون فقال بل أنتم العكارون أنا فئة المؤمنين قال فقبلنا يده ، قال : وقبل أبو لبابة وكعب بن مالك وصاحباه يد النبي - صلى الله عليه وسلم - حين تاب الله عليهم ذكره الأبهري وقبل أبو عبيدة يد عمر حين قدم وقبل زيد بن ثابت يد ابن عباس حين أخذ ابن عباس بركابه قال الأبهري : وإنما كرهها مالك إذا كانت على وجه التكبر والتعظم وأما إذا كانت على وجه القربة إلى الله لدينه أو لعلمه أو لشرفه فإن ذلك جائز .

                                                                                                                                                                                                        قال ابن بطال : وذكر الترمذي من حديث صفوان بن عسال : أن يهوديين أتيا النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألاه عن تسع آيات الحديث وفي آخره : فقبلا يده ورجله قال الترمذي : حسن صحيح .

                                                                                                                                                                                                        قلت حديث ابن عمر أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " وأبو داود وحديث أبي لبابة أخرجه البيهقي في " الدلائل " وابن المقري ، وحديث كعب وصاحبيه أخرجه ابن المقري ، وحديث أبي عبيدة أخرجه سفيان في جامعه وحديث ابن عباس أخرجه الطبري وابن المقري وحديث صفوان أخرجه أيضا النسائي وابن ماجه وصححه الحاكم .

                                                                                                                                                                                                        وقد جمع الحافظ أبو بكر بن المقري جزءا في تقبيل اليد سمعناه أورد فيه أحاديث كثيرة وآثارا فمن جيدها حديث الزارع العبدي وكان في وفد عبد القيس قال فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي - صلى الله عليه وسلم - ورجله أخرجه أبو داود ومن حديث مزيدة العصري مثله ومن حديث أسامة بن شريك قال : قمنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقبلنا يده وسنده قوي ومن حديث جابر : " أن عمر قام إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقبل يده " ومن حديث بريدة في قصة الأعرابي والشجرة فقال يا رسول الله ائذن لي أن أقبل رأسك ورجليك فأذن له " .

                                                                                                                                                                                                        وأخرج البخاري في " الأدب المفرد " من رواية عبد الرحمن بن رزين قال : أخرج لنا سلمة بن الأكوع كفا له ضخمة كأنها كف بعير فقمنا إليها فقبلناها " وعن ثابت أنه قبل يد أنس وأخرج أيضا أن عليا قبل يد العباس ورجله وأخرجه ابن المقري وأخرج من طريق أبي مالك الأشجعي قال : قلت لابن أبي أوفى ناولني يدك التي بايعت بها رسول الله - صلى [ ص: 60 ] الله عليه وسلم - فناولنيها فقبلتها .

                                                                                                                                                                                                        قال النووي : تقبيل يد الرجل لزهده وصلاحه أو علمه أو شرفه أو صيانته أو نحو ذلك من الأمور الدينية لا يكره بل يستحب فإن كان لغناه أو شوكته أو جاهه عند أهل الدنيا فمكروه شديد الكراهة وقال أبو سعيد المتولي : لا يجوز .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية