بسم الله الرحمن الرحيم كتاب التوحيد
باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى
6937 حدثنا حدثنا أبو عاصم عن زكرياء بن إسحاق يحيى بن محمد بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن رضي الله عنهما ابن عباس معاذا إلى اليمن بعث أن النبي صلى الله عليه وسلم
كتاب التوحيد
- باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى
- باب قول الله تبارك وتعالى قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى
- باب قول الله تعالى إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين
- باب قول الله تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا
- باب قول الله تعالى السلام المؤمن
- باب قول الله تعالى ملك الناس
- باب قول الله تعالى وهو العزيز الحكيم
- باب قول الله تعالى وهو الذي خلق السموات والأرض بالحق
- باب قول الله تعالى وكان الله سميعا بصيرا
- باب قول الله تعالى قل هو القادر
- باب مقلب القلوب
- باب إن لله مائة اسم إلا واحدا
- باب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها
- باب ما يذكر في الذات والنعوت وأسامي الله
- باب قول الله تعالى ويحذركم الله نفسه
- باب قول الله تعالى كل شيء هالك إلا وجهه
- باب قول الله تعالى ولتصنع على عيني
- باب قول الله هو الله الخالق البارئ المصور
- باب قول الله تعالى لما خلقت بيدي
- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا شخص أغير من الله
- باب قل أي شيء أكبر شهادة قل الله
- باب وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم
- باب قول الله تعالى تعرج الملائكة والروح إليه
- باب قول الله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة
- باب ما جاء في قول الله تعالى إن رحمة الله قريب من المحسنين
- باب قول الله تعالى إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا
- باب ما جاء في تخليق السموات والأرض وغيرها من الخلائق
- باب قوله تعالى ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين
- باب قول الله تعالى إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون
- باب قول الله تعالى قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا
- باب في المشيئة والإرادة
- باب قول الله تعالى ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له
- باب كلام الرب مع جبريل ونداء الله الملائكة
- باب قول الله تعالى أنزله بعلمه والملائكة يشهدون
- باب قول الله تعالى يريدون أن يبدلوا كلام الله
- باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم
- باب قوله وكلم الله موسى تكليما
- باب كلام الرب مع أهل الجنة
- باب ذكر الله بالأمر وذكر العباد بالدعاء والتضرع والرسالة والإبلاغ
- باب قول الله تعالى فلا تجعلوا لله أندادا
- باب قول الله تعالى وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم
- باب قول الله تعالى كل يوم هو في شأن
- باب قول الله تعالى لا تحرك به لسانك وفعل النبي صلى الله عليه وسلم حين ينزل عليه الوحي
- باب قول الله تعالى وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير
- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار
- باب قول الله تعالى يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته
- باب قول الله تعالى قل فأتوا بالتوراة فاتلوها
- باب وسمى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عملا
- باب قول الله تعالى إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا
- باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه
- باب ما يجوز من تفسير التوراة وغيرها من كتب الله بالعربية وغيرها
- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم الماهر بالقرآن مع الكرام البررة
- باب قول الله تعالى فاقرءوا ما تيسر من القرآن
- باب قول الله تعالى ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر
- باب قول الله تعالى بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ
- باب قول الله تعالى والله خلقكم وما تعملون إنا كل شيء خلقناه بقدر
- باب قراءة الفاجر والمنافق وأصواتهم وتلاوتهم لا تجاوز حناجرهم
- باب قول الله تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة وأن أعمال بني آدم وقولهم يوزن
التالي
السابق
[ ص: 357 ] قوله ( بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب التوحيد ) كذا للنسفي ، وعليه اقتصر الأكثر عن وحماد بن شاكر الفربري ، وزاد المستملي : الرد على الجهمية وغيرهم ، وسقطت البسملة لغير أبي ذر ، ووقع لابن بطال وابن التين " كتاب رد الجهمية " وغيرهم " التوحيد " وضبطوا التوحيد بالنصب على المفعولية ، وظاهره معترض ؛ لأن الجهمية وغيرهم من المبتدعة لم يردوا التوحيد وإنما اختلفوا في تفسيره ، وحجج الباب ظاهرة في ذلك ، والمراد بقوله في رواية المستملي وغيرهم : القدرية ، وأما الخوارج فتقدم ما يتعلق بهم في " كتاب الفتن " وكذا الرافضة تقدم ما يتعلق بهم في " كتاب الأحكام " وهؤلاء الفرق الأربع هم رءوس البدعة وقد المعتزلة أنفسهم " أهل العدل والتوحيد " وعنوا بالتوحيد ما اعتقدوه من نفي الصفات الإلهية ، لاعتقادهم أن إثباتها يستلزم التشبيه ومن شبه الله بخلقه أشرك ، وهم في النفي موافقون سمى للجهمية ، وأما ، ومن ثم قال أهل السنة ففسروا التوحيد بنفي التشبيه والتعطيل الجنيد فيما حكاه أبو القاسم القشيري : التوحيد إفراد القديم من المحدث " وقال أبو القاسم التميمي في " كتاب الحجة " : مصدر وحد يوحد ، ومعنى وحدت الله اعتقدته منفردا بذاته وصفاته لا نظير له ولا شبيه ، وقيل معنى وحدته علمته واحدا ، وقيل : سلبت عنه الكيفية والكمية فهو واحد في ذاته لا انقسام له ، وفي صفاته لا شبيه له ، في إلهيته وملكه وتدبيره لا شريك له ولا رب سواه ولا خالق غيره . وقال التوحيد ابن بطال : تضمنت ترجمة الباب أن الله ليس بجسم ؛ لأن الجسم مركب من أشياء مؤلفة وذلك يرد على الجهمية في زعمهم أنه جسم ، كذا وجدت فيه ولعله أراد أن يقول المشبهة ، وأما الجهمية فلم يختلف أحد ممن صنف في المقالات أنهم ينفون الصفات حتى نسبوا إلى التعطيل ، وثبت عن أبي حنيفة أنه قال : بالغ جهم في نفي التشبيه حتى قال : إن الله ليس بشيء ، وقال الكرماني الجهمية فرقة من المبتدعة ينتسبون إلى جهم بن صفوان مقدم الطائفة القائلة أن لا قدرة للعبد أصلا ، وهم الجبرية بفتح الجيم وسكون الموحدة ، ومات مقتولا في زمن هشام بن عبد الملك انتهى . وليس الذي أنكروه على الجهمية مذهب الجبر خاصة ، وإنما الذي أطبق السلف على ذمهم بسببه إنكار الصفات . حتى قالوا : إن القرآن ليس كلام الله وأنه مخلوق ، وقد ذكر الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي في كتابه " الفرق بين الفرق " أن رءوس المبتدعة أربعة إلى أن قال : والجهمية أتباع جهم بن صفوان الذي قال : بالإجبار والاضطرار إلى الأعمال ، وقال لا فعل لأحد غير الله تعالى ، وإنما ينسب الفعل إلى العبد مجازا من غير أن يكون فاعلا أو مستطيعا لشيء ، وزعم أن علم الله حادث ، وامتنع من وصف الله تعالى بأنه شيء أو حي أو عالم أو مريد ، حتى قال لا أصفه بوصف يجوز إطلاقه على غيره ، قال وأصفه بأنه خالق ومحيي [ ص: 358 ] ومميت وموحد بفتح المهملة الثقيلة ؛ لأن هذه الأوصاف خاصة به ، وزعم أن كلام الله حادث ، ولم يسم الله متكلما به ، قال : وكان جهم يحمل السلاح ويقاتل ، وخرج مع الحارث بن سريج ، وهو بمهملة وجيم مصغر ، لما قام على نصر بن سيار عامل بني أمية بخراسان فآل أمره إلى أن قتله سلم بن أحوز وهو بفتح السين المهملة وسكون اللام ، وأبوه بمهملة وآخره زاي وزن أعور وكان صاحب شرطة نصر ، وقال في " كتاب خلق أفعال العباد : بلغني أن البخاري جهما كان يأخذ عن الجعد بن درهم ، وكان خالد القسري وهو أمير العراق خطب فقال : إني مضح ؛ لأنه زعم أن الله لم يتخذ بالجعد بن درهم إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما . قلت : وكان ذلك في خلافة هشام بن عبد الملك ، فكأن الكرماني انتقل ذهنه من الجعد إلى الجهم فإن قتل جهم كان بعد ذلك بمدة ، ونقل عن البخاري محمد بن مقاتل قال : قال : عبد الله بن المبارك
وعن ابن المبارك إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ونستعظم أن نحكي قول جهم ، وعن عبد الله بن شوذب قال : ترك جهم الصلاة أربعين يوما على وجه الشك ، وأخرج ابن أبي حاتم في " كتاب الرد على الجهمية " من طريق خلف بن سليمان البلخي قال : كان جهم من أهل الكوفة وكان فصيحا ، ولم يكن له نفاذ في العلم ، فلقيه قوم من الزنادقة فقالوا له : صف لنا ربك الذي تعبده ، فدخل البيت لا يخرج مدة ثم خرج فقال هو هذا الهواء مع كل شيء . وأخرج في التوحيد ، ومن طريقه ابن خزيمة في الأسماء قال : سمعت البيهقي أبا قدامة يقول : سمعت أبا معاذ البلخي يقول : كان جهم على معبر ترمذ ، وكان كوفي الأصل فصيحا ولم يكن له علم ولا مجالسة أهل العلم ، فقيل له صف لنا ربك فدخل البيت لا يخرج كذا ، ثم خرج بعد أيام فقال : هو هذا الهواء مع كل شيء وفي كل شيء ولا يخلو منه شيء . وأخرج من طريق البخاري عبد العزيز بن أبي سلمة قال : كلام جهم صفة بلا معنى ، وبناء بلا أساس ولم يعد قط في أهل العلم ، وقد سئل عن رجل طلق قبل الدخول فقال تعتد امرأته ، وأورد آثارا كثيرة عن السلف في . وذكر تكفير جهم الطبري في تاريخه في حوادث سنة سبع وعشرين أن الحارث بن سريج خرج على نصر بن سيار عامل خراسان لبني أمية وحاربه ، والحارث حينئذ يدعو إلى العمل بالكتاب والسنة وكان جهم حينئذ كاتبه ثم تراسلا في الصلح وتراضيا بحكم مقاتل بن حيان والجهم ، فاتفقا على أن الأمر يكون شورى حتى يتراضى أهل خراسان على أمير يحكم بينهم بالعدل ، فلم يقبل نصر ذلك واستمر على محاربة الحارث إلى أن قتل الحارث في سنة ثمان وعشرين في خلافة مروان الحمار ، فيقال : إن الجهم قتل في المعركة ويقال بل أسر ، فأمر نصر بن سيار سلم بن أحوز بقتله فادعى جهم الأمان ، فقال له سلم : لو كنت في بطني لشققته حتى أقتلك فقتله ، وأخرج ابن أبي حاتم من طريق محمد بن صالح مولى بني هاشم قال : قال سلم حين أخذه : يا جهم إني لست أقتلك ؛ لأنك قاتلتني ، أنت عندي أحقر من ذلك ؛ ولكني سمعتك تتكلم بكلام أعطيت الله عهدا أن لا أملكك إلا قتلتك فقتله ، ومن طريق معتمر بن سليمان عن خلاد الطفاوي بلغ سلم بن أحوز وكان على شرطة خراسان أن جهم بن صفوان ينكر أن الله كلم موسى تكليما فقتله ، ومن طريق بكير بن معروف قال رأيت سلم بن أحوز حين ضرب عنق جهم فاسود وجه جهم ، وأسند أبو القاسم اللالكائي في " كتاب السنة " له أن قتل جهم كان في سنة اثنتين وثلاثين ومائة والمعتمد ما ذكره الطبري أنه كان في سنة ثمان وعشرين ، وذكر ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن رحمة صاحب أن قصة أبي إسحاق الفزاري جهم كانت سنة ثلاثين ومائة ، وهذا يمكن حمله على جبر الكسر ، أو على أن قتل جهم تراخى عن قتل الحارث بن سريج ، وأما قول الكرماني : إن قتل جهم كان في خلافة هشام بن عبد الملك فوهم ؛ لأن خروج الحارث بن سريج الذي كان جهم كاتبه كان بعد [ ص: 359 ] ذلك ، ولعل مستند الكرماني ما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق صالح بن أحمد بن حنبل قال : قرأت في دواوين هشام بن عبد الملك إلى نصر بن سيار عامل خراسان : أما بعد فقد نجم قبلك رجل يقال له جهم من الدهرية فإن ظفرت به فاقتله ، ولكن لا يلزم من ذلك أن يكون قتله وقع في زمن هشام ، وإن كان ظهور مقالته وقع قبل ذلك حتى كاتب فيه هشام والله أعلم . وقال في " كتاب الملل والنحل " : فرق المقرين بملة الإسلام خمس : أهل السنة ، ثم ابن حزم المعتزلة ومنهم القدرية ، ثم المرجئة ومنهم الجهمية والكرامية ثم الرافضة ومنهم الشيعة ، ثم الخوارج ومنهم الأزارقة والإباضية ، ثم افترقوا فرقا كثيرة ، فأكثر افتراق أهل السنة في الفروع ، وأما في الاعتقاد ففي نبذ يسيرة ، وأما الباقون ففي مقالاتهم ما يخالف أهل السنة الخلاف البعيد والقريب ، فأقرب فرق المرجئة وليست العبادة من الإيمان . من قال : الإيمان التصديق بالقلب واللسان فقط الجهمية القائلون بأن الإيمان عقد بالقلب فقط وإن أظهر الكفر والتثليث بلسانه ، وعبد الوثن من غير تقية ، وأبعدهم والكرامية : القائلون بأن ، وساق الكلام على بقية الفرق ثم قال : فأما الإيمان قول باللسان فقط وإن اعتقد الكفر بقلبه المرجئة فعمدتهم الكلام في الإيمان والكفر ، فمن قال إن العبادة من الإيمان ، وإنه يزيد وينقص ولا يكفر مؤمنا بذنب ، ولا يقول إنه يخلد في النار فليس مرجئا ، ولو وافقهم في بقية مقالاتهم . وأما المعتزلة فعمدتهم الكلام في الوعد والوعيد والقدر ، فمن قال القرآن ليس بمخلوق وأثبت القدر ورؤية الله تعالى في القيامة ، وأثبت صفاته الواردة في الكتاب والسنة وأن صاحب الكبائر لا يخرج بذلك عن الإيمان فليس بمعتزلي وإن وافقهم في سائر مقالاتهم وساق بقية ذلك إلى أن قال : وأما فمشترك بين الفرق الخمسة ، من مثبت لها وناف ، فرأس النفاة الكلام فيما يوصف الله به المعتزلة والجهمية فقد بالغوا في ذلك حتى كادوا يعطلون ، ورأس المثبتة مقاتل بن سليمان ومن تبعه من الرافضة والكرامية ، فإنهم بالغوا في ذلك حتى شبهوا الله تعالى بخلقه ، تعالى الله سبحانه عن أقوالهم علوا كبيرا ، ونظير هذا التباين الجهمية : إن العبد لا قدرة له أصلا ، وقول القدرية إنه يخلق فعل نفسه . قلت : وقد أفرد قول خلق أفعال العباد في تصنيف ، وذكر منه هنا أشياء بعد فراغه مما يتعلق بالجهمية البخاري
[ ص: 360 ] قوله ( باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تعالى ) الشهادة بأنه إله واحد وهذا الذي يسميه بعض غلاة الصوفية توحيد العامة ، وقد ادعى طائفتان في المراد بتوحيد الله تعالى أمرين اخترعوهما ، أحدهما : تفسير تفسير التوحيد المعتزلة كما تقدم ، ثانيهما : غلاة الصوفية فإن أكابرهم لما تكلموا في مسألة المحو والفناء وكان مرادهم بذلك المبالغة في الرضا والتسليم وتفويض الأمر ، بالغ بعضهم حتى ضاهى المرجئة في نفي نسبة الفعل إلى العبد ، وجر ذلك بعضهم إلى معذرة العصاة ، ثم غلا بعضهم فعذر الكفار ، ثم غلا بعضهم فزعم أن المراد بالتوحيد اعتقاد وحدة الوجود ، وعظم الخطب حتى ساء ظن كثير من أهل العلم بمتقدميهم وحاشاهم من ذلك ، وقد قدمت كلام شيخ الطائفة الجنيد وهو في غاية الحسن والإيجاز ، وقد رد عليه بعض من قال بالوحدة المطلقة فقال : وهل من غير ، ولهم في ذلك كلام طويل ينبو عنه سمع كل من كان على فطرة الإسلام والله المستعان . وذكر في الباب أربعة أحاديث :
الحديث الأول : حديث معاذ بن جبل في بعثه إلى اليمن ، أورده من طريقين الأولى أعلى من الثانية ، وقد أورد الطريق العالية في ( كتاب الزكاة ) وساقها هناك على لفظ أبي عاصم راويها ، وذكره هناك من وجه آخر بنزول ، شيخه في هذا الباب هو وعبد الله بن أبي الأسود ابن محمد بن أبي الأسود ينسب إلى جده واسمه حميد بن الأسود ، و " الفضل بن العلاء " يكنى أبا العلاء ويقال أبو العباس وهو كوفي نزل البصرة وثقه علي ابن المديني ، وقال شيخ يكتب حديثه ، وقال أبو حاتم الرازي ليس به بأس ، وقال النسائي : كثير الوهم . قلت : وما له في الدارقطني سوى هذا الموضع وقد قرنه بغيره ولكنه ساق المتن هنا على لفظه . البخاري
قوله ( عن أبي معبد ) كذا للجميع بفتح الميم وسكون المهملة ثم موحدة ، وفي بعض النسخ عن أبي سعيد وهو تصحيف ، وكأن الميم انفتحت فصارت تشبه السين .
ولا أقل بقول الجهم إن له قولا يضارع قول الشرك أحيانا
وعن ابن المبارك إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ونستعظم أن نحكي قول جهم ، وعن عبد الله بن شوذب قال : ترك جهم الصلاة أربعين يوما على وجه الشك ، وأخرج ابن أبي حاتم في " كتاب الرد على الجهمية " من طريق خلف بن سليمان البلخي قال : كان جهم من أهل الكوفة وكان فصيحا ، ولم يكن له نفاذ في العلم ، فلقيه قوم من الزنادقة فقالوا له : صف لنا ربك الذي تعبده ، فدخل البيت لا يخرج مدة ثم خرج فقال هو هذا الهواء مع كل شيء . وأخرج في التوحيد ، ومن طريقه ابن خزيمة في الأسماء قال : سمعت البيهقي أبا قدامة يقول : سمعت أبا معاذ البلخي يقول : كان جهم على معبر ترمذ ، وكان كوفي الأصل فصيحا ولم يكن له علم ولا مجالسة أهل العلم ، فقيل له صف لنا ربك فدخل البيت لا يخرج كذا ، ثم خرج بعد أيام فقال : هو هذا الهواء مع كل شيء وفي كل شيء ولا يخلو منه شيء . وأخرج من طريق البخاري عبد العزيز بن أبي سلمة قال : كلام جهم صفة بلا معنى ، وبناء بلا أساس ولم يعد قط في أهل العلم ، وقد سئل عن رجل طلق قبل الدخول فقال تعتد امرأته ، وأورد آثارا كثيرة عن السلف في . وذكر تكفير جهم الطبري في تاريخه في حوادث سنة سبع وعشرين أن الحارث بن سريج خرج على نصر بن سيار عامل خراسان لبني أمية وحاربه ، والحارث حينئذ يدعو إلى العمل بالكتاب والسنة وكان جهم حينئذ كاتبه ثم تراسلا في الصلح وتراضيا بحكم مقاتل بن حيان والجهم ، فاتفقا على أن الأمر يكون شورى حتى يتراضى أهل خراسان على أمير يحكم بينهم بالعدل ، فلم يقبل نصر ذلك واستمر على محاربة الحارث إلى أن قتل الحارث في سنة ثمان وعشرين في خلافة مروان الحمار ، فيقال : إن الجهم قتل في المعركة ويقال بل أسر ، فأمر نصر بن سيار سلم بن أحوز بقتله فادعى جهم الأمان ، فقال له سلم : لو كنت في بطني لشققته حتى أقتلك فقتله ، وأخرج ابن أبي حاتم من طريق محمد بن صالح مولى بني هاشم قال : قال سلم حين أخذه : يا جهم إني لست أقتلك ؛ لأنك قاتلتني ، أنت عندي أحقر من ذلك ؛ ولكني سمعتك تتكلم بكلام أعطيت الله عهدا أن لا أملكك إلا قتلتك فقتله ، ومن طريق معتمر بن سليمان عن خلاد الطفاوي بلغ سلم بن أحوز وكان على شرطة خراسان أن جهم بن صفوان ينكر أن الله كلم موسى تكليما فقتله ، ومن طريق بكير بن معروف قال رأيت سلم بن أحوز حين ضرب عنق جهم فاسود وجه جهم ، وأسند أبو القاسم اللالكائي في " كتاب السنة " له أن قتل جهم كان في سنة اثنتين وثلاثين ومائة والمعتمد ما ذكره الطبري أنه كان في سنة ثمان وعشرين ، وذكر ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن رحمة صاحب أن قصة أبي إسحاق الفزاري جهم كانت سنة ثلاثين ومائة ، وهذا يمكن حمله على جبر الكسر ، أو على أن قتل جهم تراخى عن قتل الحارث بن سريج ، وأما قول الكرماني : إن قتل جهم كان في خلافة هشام بن عبد الملك فوهم ؛ لأن خروج الحارث بن سريج الذي كان جهم كاتبه كان بعد [ ص: 359 ] ذلك ، ولعل مستند الكرماني ما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق صالح بن أحمد بن حنبل قال : قرأت في دواوين هشام بن عبد الملك إلى نصر بن سيار عامل خراسان : أما بعد فقد نجم قبلك رجل يقال له جهم من الدهرية فإن ظفرت به فاقتله ، ولكن لا يلزم من ذلك أن يكون قتله وقع في زمن هشام ، وإن كان ظهور مقالته وقع قبل ذلك حتى كاتب فيه هشام والله أعلم . وقال في " كتاب الملل والنحل " : فرق المقرين بملة الإسلام خمس : أهل السنة ، ثم ابن حزم المعتزلة ومنهم القدرية ، ثم المرجئة ومنهم الجهمية والكرامية ثم الرافضة ومنهم الشيعة ، ثم الخوارج ومنهم الأزارقة والإباضية ، ثم افترقوا فرقا كثيرة ، فأكثر افتراق أهل السنة في الفروع ، وأما في الاعتقاد ففي نبذ يسيرة ، وأما الباقون ففي مقالاتهم ما يخالف أهل السنة الخلاف البعيد والقريب ، فأقرب فرق المرجئة وليست العبادة من الإيمان . من قال : الإيمان التصديق بالقلب واللسان فقط الجهمية القائلون بأن الإيمان عقد بالقلب فقط وإن أظهر الكفر والتثليث بلسانه ، وعبد الوثن من غير تقية ، وأبعدهم والكرامية : القائلون بأن ، وساق الكلام على بقية الفرق ثم قال : فأما الإيمان قول باللسان فقط وإن اعتقد الكفر بقلبه المرجئة فعمدتهم الكلام في الإيمان والكفر ، فمن قال إن العبادة من الإيمان ، وإنه يزيد وينقص ولا يكفر مؤمنا بذنب ، ولا يقول إنه يخلد في النار فليس مرجئا ، ولو وافقهم في بقية مقالاتهم . وأما المعتزلة فعمدتهم الكلام في الوعد والوعيد والقدر ، فمن قال القرآن ليس بمخلوق وأثبت القدر ورؤية الله تعالى في القيامة ، وأثبت صفاته الواردة في الكتاب والسنة وأن صاحب الكبائر لا يخرج بذلك عن الإيمان فليس بمعتزلي وإن وافقهم في سائر مقالاتهم وساق بقية ذلك إلى أن قال : وأما فمشترك بين الفرق الخمسة ، من مثبت لها وناف ، فرأس النفاة الكلام فيما يوصف الله به المعتزلة والجهمية فقد بالغوا في ذلك حتى كادوا يعطلون ، ورأس المثبتة مقاتل بن سليمان ومن تبعه من الرافضة والكرامية ، فإنهم بالغوا في ذلك حتى شبهوا الله تعالى بخلقه ، تعالى الله سبحانه عن أقوالهم علوا كبيرا ، ونظير هذا التباين الجهمية : إن العبد لا قدرة له أصلا ، وقول القدرية إنه يخلق فعل نفسه . قلت : وقد أفرد قول خلق أفعال العباد في تصنيف ، وذكر منه هنا أشياء بعد فراغه مما يتعلق بالجهمية البخاري
[ ص: 360 ] قوله ( باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تعالى ) الشهادة بأنه إله واحد وهذا الذي يسميه بعض غلاة الصوفية توحيد العامة ، وقد ادعى طائفتان في المراد بتوحيد الله تعالى أمرين اخترعوهما ، أحدهما : تفسير تفسير التوحيد المعتزلة كما تقدم ، ثانيهما : غلاة الصوفية فإن أكابرهم لما تكلموا في مسألة المحو والفناء وكان مرادهم بذلك المبالغة في الرضا والتسليم وتفويض الأمر ، بالغ بعضهم حتى ضاهى المرجئة في نفي نسبة الفعل إلى العبد ، وجر ذلك بعضهم إلى معذرة العصاة ، ثم غلا بعضهم فعذر الكفار ، ثم غلا بعضهم فزعم أن المراد بالتوحيد اعتقاد وحدة الوجود ، وعظم الخطب حتى ساء ظن كثير من أهل العلم بمتقدميهم وحاشاهم من ذلك ، وقد قدمت كلام شيخ الطائفة الجنيد وهو في غاية الحسن والإيجاز ، وقد رد عليه بعض من قال بالوحدة المطلقة فقال : وهل من غير ، ولهم في ذلك كلام طويل ينبو عنه سمع كل من كان على فطرة الإسلام والله المستعان . وذكر في الباب أربعة أحاديث :
الحديث الأول : حديث معاذ بن جبل في بعثه إلى اليمن ، أورده من طريقين الأولى أعلى من الثانية ، وقد أورد الطريق العالية في ( كتاب الزكاة ) وساقها هناك على لفظ أبي عاصم راويها ، وذكره هناك من وجه آخر بنزول ، شيخه في هذا الباب هو وعبد الله بن أبي الأسود ابن محمد بن أبي الأسود ينسب إلى جده واسمه حميد بن الأسود ، و " الفضل بن العلاء " يكنى أبا العلاء ويقال أبو العباس وهو كوفي نزل البصرة وثقه علي ابن المديني ، وقال شيخ يكتب حديثه ، وقال أبو حاتم الرازي ليس به بأس ، وقال النسائي : كثير الوهم . قلت : وما له في الدارقطني سوى هذا الموضع وقد قرنه بغيره ولكنه ساق المتن هنا على لفظه . البخاري
قوله ( عن أبي معبد ) كذا للجميع بفتح الميم وسكون المهملة ثم موحدة ، وفي بعض النسخ عن أبي سعيد وهو تصحيف ، وكأن الميم انفتحت فصارت تشبه السين .