الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا ( 149 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه "إن تبدوا" أيها الناس" خيرا " ، يقول : إن تقولوا جميلا من القول لمن أحسن إليكم ، فتظهروا ذلك شكرا منكم له على ما كان منه من حسن إليكم ، "أو تخفوه" ، يقول : أو تتركوا إظهار ذلك [ ص: 351 ] فلا تبدوه "أو تعفوا عن سوء" ، يقول : أو تصفحوا لمن أساء إليكم عن إساءته ، فلا تجهروا له بالسوء من القول الذي قد أذنت لكم أن تجهروا له به" فإن الله كان عفوا " ، يقول : لم يزل ذا عفو عن خلقه ، يصفح عمن عصاه وخالف أمره "قديرا" ، يقول : ذا قدرة على الانتقام منهم .

وإنما يعني بذلك : أن الله لم يزل ذا عفو عن عباده ، مع قدرته على عقابهم على معصيتهم إياه .

يقول : فاعفوا ، أنتم أيضا ، أيها الناس ، عمن أتى إليكم ظلما ، ولا تجهروا له بالسوء من القول ، وإن قدرتم على الإساءة إليه ، كما يعفو عنكم ربكم مع قدرته على عقابكم ، وأنتم تعصونه وتخالفون أمره .

وفي قوله جل ثناؤه : " إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا " ، الدلالة الواضحة على أن تأويل قوله : " لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم " ، بخلاف التأويل الذي تأوله زيد بن أسلم ، في زعمه أن معناه : لا يحب الله الجهر بالسوء من القول لأهل النفاق ، إلا من أقام على نفاقه ، فإنه لا بأس بالجهر له بالسوء من القول . وذلك أنه جل ثناؤه قال عقيب ذلك : " إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء " ، ومعقول أن الله جل ثناؤه لم يأمر المؤمنين بالعفو عن المنافقين على نفاقهم ، ولا نهاهم أن يسموا من كان منهم معلن النفاق"منافقا" . بل العفو عن ذلك ، مما لا وجه له معقول . لأن"العفو" المفهوم ، [ ص: 352 ] إنما هو صفح المرء عما له قبل غيره من حق . وتسمية المنافق باسمه ليس بحق لأحد قبله ، فيؤمر بعفوه عنه ، وإنما هو اسم له . وغير مفهوم الأمر بالعفو عن تسمية الشيء بما هو اسمه .

التالي السابق


الخدمات العلمية