الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
. ( قال ) وإذا قتل الحلال الصيد في الحرم فعليه قيمته إلا على قول أصحاب الظواهر وهذا قول غير معتد به لكونه مخالفا للكتاب والسنة والإجماع . أما الكتاب ف قوله تعالى { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } يقال في اللغة : أحرم ، إذا دخل في الحرم ، كما يقال : أشتى ، إذا دخل في الشتاء . وقال صلى الله عليه وسلم { إن مكة حرام حرمها الله تعالى يوم خلق السموات والأرض لا يختلى خلاها ، ولا يعضد شوكها ، ولا ينفر صيدها } فإذا ثبت أمن صيد الحرم بهذه النصوص كان القاتل جانيا بإتلافه محلا محترما متقوما فيلزمه جزاؤه ، والجزاء قيمة الصيد كما في حق المحرم إلا أن المذهب عندنا أن جزاء صيد الحرم يتأدى بإطعام المساكين ، ولا يتأدى بالصوم ، وفي التأدي بالهدي روايتان ، وعلى قول زفر رحمه الله تعالى يتأدى بالصوم أيضا ، والمذهب عنده أن الواجب هنا الكفارة كالواجب على المحرم لأن الوجوب لمحض حق الله تعالى فيكون الواجب جزاء الفعل بطريق الكفارة بمنزلة ما يجب على المحرم فكما أن ذلك يتأدى بالصوم إذا لم يجد المال عنده فكذلك هنا ، والمذهب عند الشافعي رحمه الله تعالى أن معنى الغرامة والمقابلة بالحل يغلب في الفصلين جميعا لأن الواجب مثل المتلف بالنص إما من حيث الصورة أو من حيث القيمة ، ومثل الشيء إنما يجب في الأصل ليقوم مقامه فكان جانب المحل هو الراعي في الفصلين جميعا ، وقد ثبت في حق المحرم أن الواجب يتأدى بالصوم بالنص فكذلك في صيد الحرم .

وأما عندنا الواجب على المحرم بطريق الكفارة فالمعتبر فيه معنى جزاء الفعل لأنه لا حرمة في المحل إنما المحرم في المباشر ، وهو إحرامه ألا ترى أنه بعدما حل من إحرامه يجوز له الاصطياد ، وإن لم يتبدل وصف المحل ، وجزاء الفعل يجب بطريق الكفارة فأما في صيد الحرم وجوب الجزاء باعتبار وصف ثابت في المحل ، وهو صفة الأمن الثابت للصيد بسبب الحرم ألا ترى أنه إنما يتغير هذا الحكم بتغير وصف المحل بخروجه من الحرم إلى الحل ألا ترى أنه كما يجب ضمان الصيد بسبب الحرم يجب ضمان النامي من الأشجار النامية في الحرم لما فيها من حياة مثلها ، وثبوت الأمن [ ص: 98 ] لها بسبب الحرم ، ولا شك أن ما يجب بقطع الأشجار يكون غرم المحل فكذلك ما يجب بقتل صيد الحرم يكون غرم المحل فكان هذا بغرامات المالية أشبه فكما لا مدخل للصوم في غرامات الأموال ، وإن كان وجوبها لحق الله تعالى كإتلاف مال الزكاة ، والعشر فكذلك لا مدخل للصوم في جزاء صيد الحرم يقرره ، وهو أنه لما أزال الأمن عن محل أمن لحق الله تعالى فيلزمه بمقابلته إثبات صفة الأمن عن الجوع للمسكين حقا لله تعالى ، وذلك بالإطعام يحصل دون الصيام فأما في صيد الإحرام لما كان الواجب لارتكابه فعلا محرما حقا لله تعالى يتأدى ذلك بفعل ما هو مأمور به حقا لله تعالى ، وهو الصيام ، وفي الهدي روايتان هنا في إحدى الروايتين يقول لا يتأدى الواجب بإراقة الدم بل بالتصدق باللحم حتى يشترط أن تكون قيمة اللحم بعد الذبح مثل قيمة الصيد فإن كان دون ذلك لا يتأدى الواجب به ، وكذلك إن سرق المذبوح لأنه لا مدخل لإراقة الدم في الغرامات ، وإنما المعتبر فيه التملك من المحتاج ، وذلك يحصل في اللحم ، وفي الرواية الأخرى يقول يتأدى الواجب بإراقة الدم حتى إذا سرق المذبوح لا يلزمه شيء ، ويشترط أن تكون قيمته قبل الذبح مثل قيمة الصيد لأن الهدي مال يجب لله تعالى ، وإراقة الدم طريق صالح لجعل المال خالصا بمنزلة التصدق ألا ترى أن المضحي يجعل الأضحية خالصا لله تعالى بإراقة دمها فكذلك هنا

التالي السابق


الخدمات العلمية