الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل وللمستأجر استيفاء المنفعة بنفسه وبمثله ، ولا يجوز بمن هو أكثر ضررا منه ، ولا بمن يخالف ضرره ضرره ، وله أن يستوفي المنفعة وما دونها في الضرر من جنسها ، فإذا اكترى لزرع الحنطة فله زرع الشعير ونحوه ، وليس له زرع دخن ونحوه ، ولا يملك الغرس ولا البناء ، وإن اكتراها لأحدهما لم يملك الآخر ، فإن اكتراها للغرس ملك الزرع ، وإن اكترى دابة للركوب أو الحمل لم يملك الآخر ، وإن اكتراها لحمل الحديد أو القطن لم يملك حمل الآخر ، فإن فعل فعليه أجرة المثل ، وإن اكتراها لحمولة شيء فزاد عليه ، أو إلى موضع فجاوزه ، فعليه الأجرة المذكورة وأجرة المثل للزائد ، ذكره الخرقي ، وقال أبو بكر : عليه أجرة المثل للجميع ، وإن تلفت ضمن قيمتها إلا أن تكون في يد صاحبها فيضمن نصف قيمتها في أحد الوجهين .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( وللمستأجر استيفاء المنفعة بنفسه وبمثله ) لأن أصل العقد يراد للعاقد ، فلو شرط عليه استيفاءها بنفسه ، فقياس قول أصحابنا صحة العقد وبطلان الشرط ; لأنه ينافي [ ص: 93 ] مقتضى العقد إذ موجبه ملك المنفعة ، والتسليط على استيفائها بنفسه ونائبه ، وقيل : يصح ; لأنه قد يكون له غرض في تخصيصه ( وبمثله ) أي إذا كان مثله في الضرر أو دونه ; لأنه لم يزد على استيفاء حقه ، فيعتبر كون راكب مثله في طول ، وقصر لا المعرفة بالركوب خلافا للقاضي ; لأن التفاوت في غير هذا يسير ( ولا يجوز بمن هو أكثر ضررا منه ) لأن العقد اقتضى استيفاء منفعة مقدرة فلا يجوز بأكثر منه ; لأنه زائد على ما عقد عليه ( ولا بمن يخالف ضرره ضرره ) لأنه يستوفي أكثر من حقه أو غير ما يستحقه ( وله أن يستوفي المنفعة ) المعقود عليها من زرع أو بناء ; لأنه هو المقصود ( وما دونها في الضرر من جنسها ) لأنه إذا كان له استيفاء نفس المنفعة المعقود عليها فما دونها أولى ، قال أحمد : إذا استأجر دابة ليحمل عليها تمرا فحمل عليها حنطة أرجو أن لا يكون به بأس إذا كان الوزن واحدا ( فإذا اكترى لزرع الحنطة فله زرع الشعير ونحوه ) كباقلاء ; لأنه دونه في الضرر ، وعلم منه جواز زرع الحنطة ; لأنها المعقود عليها ، فلو قال : ازرع حنطة ولا تزرع غيرها ، فذكر القاضي بطلان الشرط ; لأن مقتضى العقد استيفاء المنفعة كيف شاء ، فلم يصح الشرط ، وفيه وجه أنه لا يجوز له زرع غير ما عينه حتى لو وصف الحنطة بأنها سمراء لم يجز أن يزرع بيضاء ; لأنه عينه ، فلم يجز العدول عنه كالدراهم في الثمن ، ورد بالفرق ، والماء على رب الأرض ( وليس له زرع دخن ونحوه ) كقطن لأنه فوقه في الضرر ، فإن فعل لزمه المسمى مع تفاوتهما في أجر المثل ، نص عليه ، وأوجب أبو بكر والمؤلف أجر المثل خاصة ، ومثله لو سلك طريقا أشق ، قاله في " الشرح " ، و " الفروع " .

                                                                                                                          [ ص: 94 ] ( ولا يملك الغرس ولا البناء ) لما ذكرنا ( وإن اكتراها لأحدهما لم يملك الآخر ) لأن ضرر كل واحد يخالف ضرر الآخر ; لأن الغرس يضر بباطن الأرض ، والبناء يضر بظاهرها ( وإن اكتراها للغرس ملك الزرع ) لأن ضرره أقل من ضرر الغرس وهو من جنسه ; لأن كلا منهما يضر بباطن الأرض ، وإن اكتراها للبناء هل يملك الزرع ؛ وفيه وجهان .

                                                                                                                          تنبيه : إذا اكترى أرضا ليزرعها ، أو يغرسها لم يصح لعدم التعيين ، فلو قال : لزرع ما شاء ، أو غرسه ، أو وغرسه صح في الأصح فيهما كزرع ما شئت ، وغرس ما شئت ، وإن أطلق وتصلح لزرع وغيره صح في الأصح ، وقال الشيخ تقي الدين : إن أطلق ، أو قال : انتفع بها بما شئت ، فله زرع ، وغرس ، وبناء .

                                                                                                                          ( وإن اكترى دابة للركوب ، أو الحمل لم يملك الآخر ) لاختلاف الضرر ; لأن الراكب يعين الظهر بحركته فلا يملك الحمل ، والركوب أشد على الظهر ; لأنه يقعد في مكان واحد ، والمتاع يتفرق على جنبيه فلا يملك الركوب ، فإذا اكتراها لحمل دقيق من طاحون فلم يجده طحن وجبت أجرتها ، وإن اكتراها إلى بلد ، فله الركوب إلى مقره ، وقيل : بل إلى أول عمارته ( وإن اكتراها لحمل الحديد ، أو القطن لم يملك حمل الآخر ) على المعروف ; لأنه إذا اكتراها لحمل الحديد لم يحمل قطنا ; لأنه يتجافى ، وتهب فيه الريح ، فيتعب الظهر ، وعكسه ، ولأن الحديد يجتمع في موضع واحد ، فيثقل عليه ، وقيل : بلى بوزنه ، ولا يضمن الدابة ( فإن فعل ) كان ضامنا ( فعليه أجرة المثل ) لأنه عدل عن المقعود [ ص: 95 ] عليه إلى غيره أشبه ما لو استأجر أرضا فزرع غيرها ( وإن اكتراها لحمولة شيء فزاد عليه ، أو إلى موضع فجاوزه ، فعليه الأجرة المذكورة ) أي المسماة لاستيفاء المعقود عليه متميزا عن غيره ( وأجرة المثل للزائد ذكره الخرقي ) قال القاضي : لا يختلف فيه أصحابنا أي في الثانية ، وحكاه أبو الزناد عن الفقهاء السبعة ; لأنه متعد في ذلك فهو كغاصب ( وقال أبو بكر : عليه أجرة المثل للجميع ) لأنه عدل عن المعقود عليه إلى غيره ، أشبه ما لو فعل بغير إجارة ، ولم يصرح به أبو بكر فيما إذا اكترى لحمولة شيء فزاد عليه ، وإنما أخذ ذلك من قوله : إذا استأجر أرضا لزرع شعير ، فزرعها حنطة أن عليه أجرة المثل للجميع ، فجمع القاضي بين مسألة الخرقي ، ومسألة أبي بكر ، فينقل كلا منهما إلى الأخرى لتساويهما في أن الزيادة لا تتميز ، فيكون فيهما وجهان ، وليس كذلك ، فإنه يفرق بينهما ، فإن ما حصل التعدي فيه في الحمل متميز بخلاف الزرع فإنه متعد به كله أشبه الغاصب ، ولهذا علل أبو بكر بالعدول عن المعقود عليه ، فإلحاقها بما إذا اكترى إلى موضع فجاوزه أشد لشدة شبهها به ، وهو الذي قطع به في " الكافي " ، و " المحرر " مع أن أحمد نص في الزرع أنه ينظر ما يدخل على الأرض من النقصان ، فيعطاه رب الأرض ، فيقال أجرة مثلها إذا زرعها حنطة مائة ، وأجرة مثلها إذا زرعها شعيرا ثمانون ، فالواجب ما بينهما وهو عشرون .

                                                                                                                          ونظيره ما لو اكترى غرفة ليجعل فيها أقفزة معلومة ، فزاد عليها ، ولو اكتراها ليجعل فيها قنطار قطن فجعل قنطار حديد ففي الأولى له المسمى وأجرة الزيادة ، وفي الثانية يخرج فيها الخلاف في مسألة الزرع ( وإن تلفت ضمن [ ص: 96 ] قيمتها ) سواء تلفت في الزيادة ، أو بعد ردها إلى المسافة ; لأنه متعد أشبه الغاصب ( إلا أن تكون في يد صاحبها ) ولا شيء عليها ( فيضمن نصف قيمتها في أحد الوجهين ) لأنه اجتمع عليها يدان يد صاحبها ، ويد المستأجر ، فالذي يقابله النصف ، فيضمن ، وكما لو زاد شوطا في الحد ، والثاني : تلزمه القيمة كلها حيث لم يرض مالكها ، وهو المذهب ، ونصره الأكثر إناطة بالتعدي .

                                                                                                                          وسكوت صاحبها لا يدل على الرضا كما لو أبيع ملكه وهو ساكت لم يمنعه ، وذكر القاضي في " الشرح الصغير " أنه لا ضمان لوجود يد المالك ، وذكر في موضع آخر إن تلفت في يد راكبها ، أو له عليها حمل ضمنها ، وإن كان سلمها لمالكها ليسقيها ، أو ليمسكها فلا ضمان عليه ، ووافقه في " المغني " ، و " الشرح " على ذلك إلا أنهما استثنيا فيما إذا تلفت في يد مالكها بسبب تعبها من الحمل ونحوه ، فالضمان على المتعدي كما لو ألقى حجرا في سفينة موقرة فغرقها ، ولا يسقط الضمان بردها إلى المسافة .

                                                                                                                          فرع : لو اكترى زورقا ، فزواه مع زورق ، فغرقا ضمن لأنها مخاطرة لاحتياجهما إلى المساواة ككفة الميزان كما لو اشترى ثورا لاستقاء الماء ، فجعل ، فدانا .

                                                                                                                          أصل : إذا اكترى لنسخ كتاب يباح ما فيه ، أو خياطة ، أو قصارة ، أو صبغ ، أو كحل ، أو مداواة جرح صح ، ولزمه حبر ، وخيوط ، وكحل ، ومرهم ، ونحو ذلك ، وقيل : يلزم مستأجرا ، وهو معنى ما في " المستوعب " ، وقيل : بل يتبع العرف ، وقيل : الكل على الأجير إلا الخيوط ، فإنها على المستأجر ، وجزم في [ ص: 97 ] الشرح أنه لا يجوز اشتراط الدواء على الطبيب بخلاف الكحل للحاجة إليه ، وليس له محادثته حال النسخ ، وإن أخطأ الناسخ بشيء يسير عفي عنه ، وإن كثر فلا ، وهو عيب يرد به .

                                                                                                                          مسألة : استأجره مدة فكحله فلم تبرأ عينه استحق الأجر في قول الأكثر ، فإن شارطه على البرء ، فهي جعالة ، فلو برأ بغير كحله ، أو تعذر من جهة المستأجر ، فله أجر مثله .




                                                                                                                          الخدمات العلمية