الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          الثاني : أن يكون شقصا مشاعا من عقار ، ولا شفعة فيما لا تجب قسمته فيه كالحمام الصغير ، والبئر ، والطرق ، والعراص الضيقة ، وما ليس بعقار كالشجر ، والحيوان ، والبناء المفرد في إحدى الروايتين ، إلا أن البناء والغراس يؤخذ تبعا للأرض ، ولا تؤخذ الثمرة والزرع تبعا في أحد الوجهين .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( الثاني أن يكون ) المبيع ( شقصا ) بكسر أوله ، قال أهل اللغة : هو من الأرض ، والطائفة من الشيء ( مشاعا من عقار ) مرادهم بالعقار هنا الأرض [ ص: 206 ] دون الغراس والبناء لما يأتي ، وظاهر كلام أهل اللغة بل صريحه أن النخل عقار ( ينقسم ) أي تجب قسمته ، وعنه : مطلقا ، اختاره ابن عقيل ، وأبو محمد الجوزي ، والشيخ تقي الدين ، وعنه : وغيره إلا في منقول ينقسم ، فالشقص يحترز به عن الكل ; لأن الأخذ به أخذ بالجوار ، وبالإشاعة عن المقسوم ، وبالعقار عن غيره ; لأنه لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص ( فأما المقسوم المحدد فلا شفعة لجاره فيه ) في قول عمر ، وعثمان ، وخلق لحديث جابر ، ولقوله " الشفعة فيما لم يقسم " معناه أن الشفعة حاصلة ، أو ثابتة ، أو مستقرة في كل ما لم يقسم ، فما قسم لا تحصل فيه ، ولا تثبت ، ويؤكد هذا رواية الحصر ، والراوي ثقة عالم باللغة ، فينقل اللفظ بمعناه ، وعنه : أنها تثبت للجار ، حكاها القاضي يعقوب في " التبصرة " ، وصححها ابن الصيرفي ، والحارثي ، وكذا اختاره الشيخ تقي الدين مع الشركة في الطريق لما روى جابر مرفوعا أنه قال : الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا ، رواه الخمسة ، وحسنه الترمذي ، وروى أبو رافع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الجار أحق بصقبه ، رواه النسائي ، ولأنه اتصال ملك يدوم ويتأبد ، فتثبت فيه كالشركة ، والأول أولى ; لأن حديث أبي رافع ليس بصريح فيها ، فإن الصقب القرب ، فيحتمل أنه أحق بإحسان جاره وصلته مع أن خبرنا صريح ، فيقدم على غيره ، وأحاديثهم فيها مقال ، ويحتمل أنه أراد بالجار الشريك كما تسمى الضرتان جارتين لاشتراكهما في الزوج ، ولأن الشفعة ثبتت في موضع الوفاق على خلاف الأصل لمعنى معدوم في محل النزاع ، فلا تثبت فيه ، فعلى هذا لا فرق بين كون الطريق مفردة ، أو مشتركة ، وسأله أبو طالب : الشفعة لمن هي ؛ قال : إذا كان [ ص: 207 ] طريقهما واحدا مشتركا لم يقتسموا ، فإذا صرفت الطرق ، وعرفت الحدود فلا شفعة ، وإن بيعت دار لها طريق في درب لا ينفذ فوجهان ، والأشهر يجب إن كان للمشتري طريق غيره ، أو أمكن فتح بابه إلى شارع ، وإن كان نصيب مشتر فوق حاجته ، ففي زائد وجهان ، وكذا دهليز جاره وصحنه .

                                                                                                                          فرع : إذا قدم من لا يراها لجار إلى حاكم ، فأنكر ، لم يحلف ، وإن أخرجه خرج ، نص عليه ، وقال : لا يعجبني الحلف على أمر اختلف فيه ، قال القاضي : لأن يمينه هنا على القطع والبت ، ومسائل الاجتهاد ظنية ، فلا يقطع ببطلان مذهب المخالف ، وحمل في " المغني " ، و " الشرح " على الورع ، وإن حكم حنفي لشافعي بها فله الأخذ عند ابن عقيل ، ومنعه القاضي .

                                                                                                                          ( ولا شفعة فيما لا تجب قسمته كالحمام الصغير ، والبئر ، والطرق ، والعراص الضيقة ) في ظاهر المذهب لقوله عليه السلام " لا شفعة في فناء ولا طريق ولا منقبة " رواه أبو عبيد في " الغريب " المنقبة الطريق الضيق بين دارين لا يمكن أن يسلكه أحد ، والثانية : بلى لما روى ابن عباس مرفوعا " الشريك شفيع والشفعة في كل شيء " رواه الترمذي ، والنسائي متصلا ومرسلا ، وهو أصح ، قاله الدارقطني ، والذي وصله أبو حمزة السكري وهو مخرج عنه في " الصحيحين " ولأنها وضعت لإزالة الضرر ، ووجوده فيما لا يقسم أبلغ منه فيما يقسم ، والأول أشهر ; لأن إثبات الشفعة في هذا تضر بالبائع ; لأنه لا يمكنه أن يتخلص من إثبات الشفعة في نصيبه بالقيمة ، وقد يمنع المشتري لأجل الشفيع ؛ فيتضرر البائع ، وقد يمتنع البيع فيسقط ، فيؤدي إثباتها إلى نفيها ، وظاهره أن الحمام الكبير [ ص: 208 ] حيث قسم ، وانتفع به حماما ، والبئر ، والعضائد متى أمكن أن يحصل من ذلك شيئان ، ثبت فيه كالرحا ( وما ليس بعقار كالشجر ، والحيوان ، والبناء المفرد في إحدى الروايتين ) هي ظاهر المذهب ; لأن من شرط وجوبها أن يكون المبيع أرضا ; لأنها هي التي تبقى على الدوام ، ويدوم ضررها ، والثانية : بلى ، وقد سبق ( إلا أن البناء والغراس يؤخذ تبعا للأرض ) إذا بيع مع الأرض بغير خلاف في المذهب ، ولا نعرف فيه خلافا بين من أثبت الشفعة ، قاله في " الشرح " ( ولا تؤخذ الثمرة ) وقيدها في " المغني " ، و " الشرح " بالظاهرة ( والزرع تبعا ) أي : إذا بيع مع الأرض ( في أحد الوجهين ) وهو المذهب ; لأن ذلك لا يدخل في البيع فلا يدخل في الشفعة كقماش الدار ، والثاني : بلى يؤخذ تبعا كالغراس ، ومقتضاه أن غيرهما مما يدخل ، مع أنه ذكر في " المغني " إن اشتراه ، وفيه طلع لم يؤبر فأبره ، لم يأخذ الثمرة ، بل الأرض ، والنخل بحصته كشقص وسيف ، وكذا ذكر غيره : إذا لم يدخل أخذ الأصل بحصته .




                                                                                                                          الخدمات العلمية