الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
149 [ ص: 20 ]

حديث خامس وخمسون ليحيى بن سعيد

857 مالك عن يحيى بن سعيد قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أراد أن يتخذ خشبتين يضرب بهما ليجتمع الناس للصلاة فأري عبد الله بن زيد الأنصاري ثم من بني الحارث بن الخزرج خشبتين في النوم فقال : إن هاتين لنحو مما يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل : ألا تؤذنون للصلاة فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين استيقظ ، فذكر له ذلك ، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأذان .

التالي السابق


قال أبو عمر : روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة عبد الله بن زيد هذه في بدء الأذان جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة ، ومعان متقاربة ، وكلها يتفق على أن عبد الله بن زيد أري النداء في النوم ، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر به ، عند ذلك ، وكان ذلك أول أمر الأذان ، والأسانيد في ذلك متواترة حسان ثابتة ، ونحن نذكر في هذا الباب أحسنها إن شاء الله .

حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا عباد بن موسى وزياد بن أيوب وحديث عباد أتم قالا : حدثنا هشيم عن أبي بشر قال زياد : أخبرنا أبو بشر عن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قالوا : اهتم النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 21 ] للصلاة ، كيف يجمع الناس لها ؟ فقيل له انصب راية ، عند حضور الصلاة فإذا رأوها آذن بعضهم بعضا فلم يعجبه ذلك قال : فذكر له القنع يعني الشبور ، وقال زياد : شبور اليهود . فلم يعجبه ذلك قال : هو من أمر اليهود ، فذكر له الناقوس فقال : هو من أمر النصارى .

فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتم بهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فأري الأذان في منامه قال : فغدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره فقال : يا رسول الله ، ، إني ليس بنائم ، ولا يقظان إذ أتاني آت فأراني الأذان .

قال ، وكان عمر بن الخطاب قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوما ، ثم أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ما منعك أن تخبرنا ؟ فقال : سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا بلال قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله . قال : فأذن بلال
.

قال أبو بشر وأخبرني أبو عمير أن الأنصار تزعم أن عبد الله بن زيد لولا أنه كان يومئذ مريضا لجعله النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤذنا .

وذكر البخاري حديث خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس بن مالك قال : لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء [ ص: 22 ] يعرفونه فذكروا أن يوروا نارا ، أو يضربوا ناقوسا فأمر بلال أن يشفع الأذان ، وأن يوتر الإقامة .

وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير بن حرب حدثني أبي ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال : حدثني أبي ، عن ابن إسحاق قال فذكر محمد بن مسلم الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال : لما أجمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يضرب الناقوس يجمع الناس للصلاة ، وهو له كاره لموافقةالنصارى طاف بي طائف من الليل ، وأنا نائم رجل عليه ثوبان أخضران في يده ناقوس يحمله قال : فقلت : يا عبد الله تبيع الناقوس قال ، وما تصنع به قال : قلت ندعو به للصلاة . قال : أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك قال : قلت : بلى . قال : تقول : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، ثم استأخر غير بعيد ، ثم قال : تقول إذا أقيمت الصلاة : الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، الله أكبر ، الله [ ص: 23 ] أكبر ، لا إله إلا الله ، قال : فلما أصبحت أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن هذه الرؤيا حق إن شاء الله .

قال : ثم أمر بالتأذين فكان بلال مولى أبي بكر يؤذن بذلك ، ويدعو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الصلاة قال : فجاءه ذات غداة إلى صلاة الفجر فقال : فقيل له : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نائم . قال : فصرخ بلال بأعلى صوته : الصلاة خير من النوم
.

قال سعيد بن المسيب : فدخلت هذه الكلمة في التأذين بصلاة الفجر .

وأخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا محمد بن منصور الطوسي قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال : حدثني أبي ، عن محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال : حدثني أبي عبد الله بن زيد قال : لما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده . فقلت : يا عبد الله ، أتبيع الناقوس . قال : وما تصنع به . فقلت : ندعو به إلى الصلاة . قال : أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك ؟ فقلت له : بلى .

قال ( فقال ) تقول : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، [ ص: 24 ] أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله .

ثم استأخر عني غير بعيد ، ثم قال : تقول إذا أقيمت الصلاة : الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله .

فلما أصبحت أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بما رأيت فقال : إنها لرؤيا حق إن شاء الله ، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك .

فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ، ويؤذن به قال فسمع عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه يقول : والذي بعثك بالحق يا رسول الله ، لقد رأيت مثل ما رأى فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فلله الحمد
.

قال أبو داود وهكذا رواه سعيد بن المسيب عن عبد الله بن زيد : الله أكبر ، الله أكبر أربع مرات كما قال فيه ابن إسحاق عن الزهري وقال فيه معمر ويونس عن الزهري الله أكبر مرتين .

قال أبو عمر : رواية معمر ويونس لهذا الحديث عن الزهري عن سعيد كأنها مرسلة لم يذكرا فيها سماعا لسعيد من عبد الله بن زيد وهي محمولة عندنا على الاتصال [ ص: 25 ] .

وروى أحمد بن محمد بن أيوب عن إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق قال : حدثني هذا الحديث محمد بن إبراهيم بن الحارث عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه عن أبيه عبد الله بن زيد الذي أري هذه الرؤيا فذكر فيه الله أكبر مرتين ، ثم ساق مثل حديث أبي داود سواء ، حدثناه عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا أحمد بن زهير وعبيد بن عبد الواحد قالا : حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق فذكره .

وذكر عبد الرزاق عن إبراهيم بن محمد عن أبي جابر البياضي عن سعيد عن عبد الله بن زيد أخي بني الحارث بن الخزرج أنه : بينما هو نائم إذ رأى رجلا معه خشبتان قال : فقلت له : في المنام إن النبي - صلى الله عليه وسلم - يريد أن يشتري هذين العمودين يجعلهما ناقوسا يضرب به للصلاة قال : فالتفت إلي صاحب العمودين برأسه فقال : أنا أدلكم على ما هو خير من هذا فبلغه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأمره بالتأذين فاستيقظ عبد الله بن زيد . قال : ورأى عمر مثل ما رأى عبد الله بن زيد فسبقه عبد الله بن زيد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بذلك . فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : قم فأذن . فقال : يا رسول الله ، إني فظيع الصوت . فقال له فعلم بلالا ما رأيت فعلمه فكان بلال يؤذن [ ص: 26 ] .

قال أبو عمر : لا أحفظ ذكر الخشبتين إلا في مرسل يحيى بن سعيد وحديث أبي جابر البياضي وهو متروك الحديث ، وكذلك إبراهيم بن محمد فهذه الآثار كلها رواية أهل المدينة في بدء الأذان .

وأما رواية أهل العراق في ذلك فحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير وحدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قالا : حدثنا عمرو بن مرزوق قال : حدثنا شعبة بمعنى واحد ، واللفظ لأبي داود حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال : سمعت ابن أبي ليلى قال : أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال قال : فحدثنا أصحابنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لقد أعجبني أن تكون صلاة المسلمين ، أو قال : المؤمنين واحدة حتى لقد هممت أن أبث رجالا في الدور فيؤذنون الناس لحين الصلاة ، وحتى هممت أن آمر رجالا في الدور ينادون الناس بحين الصلاة حتى نقسوا ، أو كادوا ينقسوا فجاء رجل من الأنصار فقال : يا رسول الله ، إني لما رجعت البارحة ، ورأيت من اهتمامك رأيت رجلا قائما على جدار المسجد عليه ثوبان أخضران فأذن ، ثم قعد قعدة ، ثم قام فقال : إنه قال : قد قامت [ ص: 27 ] الصلاة ، ولولا أن تقولوا لقلت إني كنت يقظان غير نائم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لقد أراك الله خيرا .

فقال عمر أما إني رأيت مثل الذي رأى غير أني لما سبقت استحييت فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : مروا بلالا فليؤذن
.

وحدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا موسى بن معاوية وأبو بكر بن أبي شيبة قالا : حدثنا وكيع قال : حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : حدثنا أصحاب محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن عبد الله بن زيد رأى الأذان في المنام ، وأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره فقال : علمه بلالا . قال : فقام بلال فأذن مثنى مثنى ، وأقام مثنى ، وقعد قعدة .

قال أبو عمر : في حديث هذا الباب لمالك وغيره من سائر ما أوردنا فيه من الآثار أوضح الدلائل على فضل الرؤيا ، وأنها من الوحي ، والنبوة ، وحسبك بذلك فضلا لها ، وشرفا ، ولو لم يكن وحيا من الله ما جعلها شريعة ، ومنهاجا لدينه .

قال أبو عمر : اختلفت الآثار في صفة الأذان ، وإن كانت متفقة في أصل أمره كان من رؤيا عبد الله بن زيد وقد رآه عمر بن الخطاب أيضا .

وكذلك [ ص: 28 ] اختلفت الآثار ، عن أبي محذورة إذ علمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأذان بمكة عام حنين مرجعه من غزاة حنين فروى عنه فيه : الله أكبر في أوله أربع مرات وروي فيه ذلك مرتين وروى تثنية الإقامة وروى فيه إفرادها إلا قوله : قد قامت الصلاة .

واختلف الفقهاء في كيفية الأذان والإقامة ، فذهب مالك والشافعي إلى أن الأذان مثنى مثنى ، والإقامة مرة مرة إلا أن الشافعي يقول في أول الأذان الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، أربع مرات ، وزعم أن ذلك محفوظ من رواية الثقات الحفاظ في حديث عبد الله بن زيد وحديث أبي محذورة وهي زيادة يجب قبولها ، والعمل عندهم بمكة في آل محذورة بذلك إلى زمانه ، وذهب مالك وأصحابه إلى أن التكبير في أول الأذان الله أكبر ، الله أكبر مرتين . وقد روي ذلك من وجوه صحاح في أذان أبي محذورة وفي أذان عبد الله بن زيد والعمل عندهم بالمدينة على ذلك في آل سعد القرظ إلى زمانهم .

واتفق مالك والشافعي على الترجيع في الأذان ، وذلك أنه إذا قال أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، رجع فمد صوته فقال أشهد أن لا إله إلا الله مرتين أشهد أن محمدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرتين .

ولا خلاف بين مالك والشافعي في الأذان إلا في التكبير في أوله على ما وصفنا ، وكذلك لا خلاف بينهما في الإقامة إلا في قوله : قد قامت [ ص: 29 ] الصلاة ، فإن ذلك عند الشافعي يقال مرتين ، وعند مالك مرة .

وأكثر الآثار على ما قال الشافعي في ذلك ، وعليه أكثر الناس في قوله قد قامت الصلاة مرتين .

ومذهب الليث في هذا الباب كله كمذهب مالك سواء .

وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي : الأذان والإقامة جميعا مثنى مثنى ، ويقول في أول أذانه ، وإقامته : الله أكبر . أربع مرات قالوا كلهم : ولا ترجيع في الأذان ، وإنما يقول : أشهد أن لا إله إلا الله مرتين أشهد أن محمدا رسول الله مرتين ، ثم يرجع ، ولا يمد صوته ، وحجتهم حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى المذكور ، وفيه فأذن مثنى ، وأقام مثنى ، ولم يختلف فقهاء الحجاز والعراق في أن آخر الأذان الله أكبر ، الله أكبر ، مرتين ، لا إله إلا الله مرة واحدة .

واختلفوا في التثويب لصلاة الصبح ، وهو قول المؤذن في صلاة الصبح : الصلاة خير من النوم فقال مالك والثوري : يقول المؤذن في صلاة الصبح بعد قوله حي على الفلاح مرتين : الصلاة خير من النوم مرتين ، وهو قول الشافعي بالعراق ، وقال لا يقول ذلك .

وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا يقول الصلاة خير من النوم ، في نفس الأذان ، ويقوله بعد الفراغ من الأذان إن شاء الله .

وقد روي عنهم أن ذلك جائز في نفس الأذان ، وعليه الناس في صلاة الفجر ، وقد مضى في باب أبي الزناد في هذا ما فيه كفاية [ ص: 30 ] .

قال أبو عمر : روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي محذورة أنه أمره أن يقول في الأذان للصبح : الصلاة خير من النوم .

وروى عنه أيضا ذلك من حديث عبد الله بن زيد وروي عن أنس أنه قال : من السنة أن يقول في الفجر : الصلاة خير من النوم .

وروي عن ابن عمر أنه كان يقوله ، وهو قول الحسن وابن سيرين وابن المسيب والزهري وعامة أهل المدينة ، والثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور .

وأما اختلافهم في الإقامة فذهب مالك والشافعي إلى أن الإقامة مفردة مرة مرة إلا قوله الله أكبر في أولها فإنه مرتين ، وفي آخرها كذلك مرتين مرتين .

وقال الشافعي وقد قامت الصلاة مرتين ، وفي آخرها الله أكبر مرتين .

وقال أبو حنيفة والثوري : الإقامة والأذان سواء مثنى مثنى .

وقال أبو بكر الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل : إلى أي أذان تذهب ؟ فقال : إلى أذان بلال رواه محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن محمد بن عبد الله بن زيد عن أبيه ثم وصفه أبو عبد الله فكبر أربعا ، وتشهد مرتين ، ولم يرجع‌ .

قال أبو عبد الله : والإقامة : الله أكبر مرتين ، وسائرها مرة مرة إلا قوله قد قامت الصلاة فإنها مرتين [ ص: 31 ] .

قال ، وسمعت أبا عبد الله يقول من أقام مثنى مثنى لم أعنفه ، وليس به بأس قيل لأبي عبد الله : حديث أبي محذورة صحيح ؟ قال : أما أنا فلا أدفعه قيل له : أفليس حديث أبي محذورة بعد حديث أبي عبد الله بن زيد لأن حديث أبي محذورة بعد فتح مكة . فقال : أليس قد رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ، فأقر بلالا على أذان عبد الله بن زيد .

قال أبو عمر : بكل ما قالوا قد رويت الآثار ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولكني كرهت ذكرها خشية الإملال ، والإطالة ، ولشهرتها في كتب المصنفين كسلت عن إيرادها مع طولها ، وقد جئت بمعانيها ، ومذاهب الفقهاء فيها ، وبالله التوفيق .

وذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه والطبري وداود إلى إجازة القول بكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك ، وحملوا ذلك على الإباحة والتخيير قالوا : كل ذلك جائز لأنه قد ثبت جميع ذلك ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعمل به أصحابه بعده فمن شاء قال : الله أكبر في أول أذانه مرتين ، ومن شاء أربعا ، ومن شاء رجع في أذانه ، ومن شاء لم يرجع ، ومن شاء ثنى الإقامة ، ومن شاء أفردها إلا قوله قد قامت الصلاة ، والله أكبر في أولها وآخرها ، فإن ذلك مرتين مرتين على كل حال .

واختلف الفقهاء في المؤذن يؤذن فيقيم غيره فذهب مالك وأبو حنيفة وأصحابهما إلى أنه لا بأس بذلك لحديث محمد بن عبد الله بن زيد عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره إذ رأى النداء في النوم [ ص: 32 ] أن يلقيه على بلال فأذن بلال ثم أمر عبد الله بن زيد فأقام .

رواه أبو العميس عن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن زيد عن أبيه ، عن جده .

وقال الثوري والشافعي من أذن فهو يقيم لحديث عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن زياد بن نعيم عن زياد بن الحارث الصدائي قال أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما كان أول الصبح أمرني فأذنت ، ثم قام إلى الصلاة فجاء بلال ليقيم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أخا صداء أذن ، ومن أذن فهو يقيم .

قال أبو عمر : عبد الرحمن بن زياد هو الإفريقي وأكثرهم يضعفونه ، وليس يروي هذا الحديث غيره ، والحديث الأول أحسن إسنادا إن شاء الله ، والنظر يدل عليه لأن الأذان ليس مضمنا بالإقامة لأنه غيرها ، وإن صح حديث الإفريقي ، فإن من أهل العلم من يوثقه ، ويثني عليه فالقول به أولى لأنه نص في موضع الخلاف ، وهو متأخر عن قصة عبد الله بن زيد مع بلال والآخر ، فالآخر من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى أن يتبع ، ومع هذا فإني أستحب إذا كان المؤذن واحدا راتبا أن يتولى الإقامة ، فإن أقامها غيره فالصلاة ماضية بإجماع ، والحمد لله [ ص: 33 ] .

قال أبو عمر : قد مضى في الإقامة من البيان ما فيه غنى وبيان في باب أبي الزناد وغيره ، والحمد لله ، وذكرنا ههنا من الأذان ما في معنى حديثنا لأنه في بدء الأذان ، وتركنا حديث أبي محذورة لأنه ليس في ابتداء الأذان ، وفيه من الاختلاف في صفته ، وكيفيته كالذي من ذلك في حديث عبد الله بن زيد على ما ذكرنا ، والأحاديث في ذلك كله حسان ، وبالله التوفيق




الخدمات العلمية