الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          وإن تلفت أو نقصت قبل الحول لم يضمنها ، وإن كان بعده ضمنها ، وإن وصفها اثنان قسمت بينهما في أحد الوجهين ، وفي الآخر يقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف وأخذها ، وإن أقام آخر بينة أنها له ، أخذها من الواصف ، وإن تلفت فله تضمين أيهما شاء ، إلا أن يدفعها بحكم حاكم فلا ضمان عليه ، ومتى ضمن الدافع رجع على الواصف .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وإن تلفت أو نقصت قبل الحول لم يضمنها ) لأنها أمانة في يده فلم [ ص: 287 ] تضمن بغير تفريط كالوديعة ( وإن كان بعده ضمنها ) لأنها دخلت في ملكه بانقضاء الحول ، وتلفت من ماله ، ولا فرق بين التفريط وعدمه ، لكن اختار في " المغني " أن اللقطة بعد الحول تملك بغير عوض يثبت في ملكه ، وإنما يتجدد العوض بمجيء صاحبها ، وعند القاضي وغيره أنه لا يملكها إلا بعوض في ذمته لصاحبها ، وعليهما يزول ملك الملتقط عنها بوجود ربها إن كانت باقية ، ويرد بدلها وهو مثلها أو قيمتها إن كانت تالفة لأخبار ، ولأنه مال معصوم فلم يجز إسقاط حقه منه مطلقا كما لو اضطر إلى مال غيره ، وعنه : لا يضمن لحديث عياض المرفوع " فإن جاء ربها ، وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء " وتعتبر القيمة وقت التملك ، قاله في " التلخيص " ، وهو ظاهر على رأي القاضي ، وقال الشيخان : حين وجود ربها ، وقيل : يوم تصرفه ، وقيل : يوم غرم بدلها ، وعنه : لا يضمن قيمتها بعد ملكها ، وقيل : ولا يردها ، والخلاف السابق على القول بملكها بمضي الحول ، فأما من قال : لا يملكها إلا بالاختيار لم يضمنها إلا به ، ومن قال : لا يملكها بحال لم يضمنها ، وهو قول الحسن ، والنخعي ، وغيرهما .

                                                                                                                          تنبيه : إذا تصرف فيها الملتقط بعد الحول ببيع ، أو هبة ، أو نحوهما صح ، فإن جاء ربها بعد خروجها عنه ، فليس له أخذها ، وله أخذ بدلها ، فإن عادت إلى الملتقط فله أخذها ، كالزوج إذا طلق قبل الدخول ، فوجد الصداق قد رجع إلى المرأة ، فإن كان بيع خيار فله أخذه ، فإن مات الملتقط بعد أن صارت ملكا له ثم جاء ربها فهو غريم بها يرجع ببدلها إن اتسعت التركة ، وإلا تحاص الغرماء ، أي : مع التلف ، ولا فرق بين أن يعلم تلفها بعد الحول أو لا [ ص: 288 ] وفي " المغني " احتمال لا يلزم عوضها إن لم يعلم تلفها بعد الحول ، لاحتمال تلفها في الحول ، وهي أمانة ( وإن وصفها اثنان ) معا ، أو وصفها الثاني قبل دفعها للأول ( قسمت بينهما في أحد الوجهين ) ذكره أبو الخطاب ، وقدمه في " المحرر " لأنهما استويا في السبب الموجب للدفع ، أشبه ما لو كانت في أيديهما ( وفي الآخر يقرع بينهما ) ذكره القاضي ، وجزم به في " الوجيز " ، وفي " المغني " ، و " الشرح " إنه أشبه بأصولنا فيما إذا تداعيا في يد غيرهما ، ولأنه لا مزية لأحدهما على الآخر ( فمن قرع صاحبه حلف وأخذها ) لأن ذلك فائدة القرعة ، ويحلف لاحتمال أنها ليست له ، وكذا إن أقاما بينتين ، فلو وصفها إنسان فأخذها ، ثم جاء آخر فوصفها لم يستحق شيئا ، وقال أبو يعلى الصغير : إن زاد في الصفة احتمل تخريجه على بينة التشاح .

                                                                                                                          ( وإن أقام آخر بينة أنها له أخذها من الواصف ) لأن البينة أقوى من الوصف ( وإن تلفت فله تضمين أيهما شاء ) من الواصف والدافع إليه ، أما الأول فلأنه أخذ مال غيره بغير إذنه وتلف عنده ، وأما الثاني فلأنه دفع المال إلى غير مالكه اختيارا منه ؛ فضمنه كما لو دفع الوديعة إلى غير مالكها إذا على ظنه أنه مالكها ، وقيل : لا ضمان عليه إذا قلنا بوجوب الدفع عليه ; لأنه فعل ما أمر به ولم يفرط ، وكما لو أخذت منه كرها ( إلا أن يدفعها بحكم حاكم فلا ضمان عليه ) لأنها مأخوذة منه على سبيل القهر فلم يضمنها كما لو غصبت منه ( ومتى ضمن الدافع رجع على الواصف ) لأنه كان سبب تغريمه ، والتلف حصل في يده ، قال في " المغني " ، و " الشرح " إلا أن يكون الملتقط قد [ ص: 289 ] أقر الواصف أنها ملكه ; لأنه قد اعترف بأن الواصف هو المحق ، وصاحب البينة قد ظلمه ، وظاهره أن صاحب البينة إذا ضمن الواصف لا يرجع هو على الدافع ، وصرح به في " المغني " ، و " الشرح " ; لأن التلف حصل في يده ، والعدوان منه .

                                                                                                                          فرع : إذا مات الملتقط قام وارثه مقامه في التعريف أو إتمامه ، ويملكها بعد تمام التعريف ، فإن لم يعلم تلفها ، ولا وجدت في تركته فهو غريم بها ، وقيل : لا يلزم الملتقط شيء ، وقيل : يلزمه إن مات بعد الحول لا قبله .




                                                                                                                          الخدمات العلمية