الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
546 [ ص: 47 ]

حديث ثامن وخمسون ليحيى بن سعيد

مالك عن يحيى بن سعيد أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : رأيت ثلاثة أقمار سقطن في حجري فقصصت رؤياي على أبي بكر الصديق قالت : فلما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ودفن في بيتها قال لها أبو بكر : هذا أحد أقمارك ، وهو خيرها

التالي السابق


هكذا هذا الحديث في الموطأ ، عند يحيى والقعنبي وابن وهب وأكثر رواته [ ص: 48 ] .

ورواه قتيبة بن سعيد عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عائشة أنها قالت : رأيت ثلاثة أقمار سقطن في حجري ، وساقه سواء ، ذكره أبو داود عن قتيبة .

قال أبو داود وحدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال : حدثني أنس بن عياض عن يحيى بن سعيد قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول : قالت عائشة : لقد رأيت ثلاثة أقمار سقطن في حجري فقال أبو بكر : خيرا رأيت قال ، وسمعت الناس يتحدثون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قبض ، ودفن في بيتها قال لها أبو بكر : هذا أحد أقمارك ، وهو خيرها .

ورواه محمد بن سيرين عن عائشة ، وما أظنه سمعه منها ، ومراسيل ابن سيرين عندهم صحاح كمراسيل سعيد بن المسيب .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا مضر بن محمد الكوفي حدثنا إبراهيم بن عثمان حدثنا مخلد بن حسين عن هشام بن حسان عن ابن سيرين قال : رأت عائشة كأن في حجرها ثلاثة أقمار قال : فقصت ذلك على أبي بكر فقال : إن صدقت رؤياك يدفن في بيتك خير أهل الأرض ثلاثة قال : فلما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ودفن في بيتها قال : يا عائشة : هذا أحد أقمارك .

وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أبصر الناس بتأويل الرؤيا .

وفي هذا الحديث دليل على اشتغال أنفس السلف بالرؤيا ، وتأويلها . والأقمار - والله أعلم - النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر دفنوا في بيتها [ ص: 49 ] وذلك تأويل سقوط الأقمار في حجرها ، وفيه دليل على أن القمر قد يكون في التأويل الملك الأعظم كالشمس سواء ، والله أعلم .

وفي رد لقول من قال : إن القمر ملك أعجمي ، والشمس عربي في التأويل .

وأما رواية من روى سقطن في حجري ، ففيها أن التأويل قد يخرج على اشتقاق اللفظ وقرب المعنى ; لأن قولها سقطن في حجري تأوله أبو بكر رضي الله عنه على الدفن في حجرتها وبيتها ، فكأن الحجرة أخذها من الحجر ، والبيت والحجرة سواء ؛ لأن أصل الكلمة الضم فكأنه عدها على اللفظ ، والله أعلم .

والسقوط ههنا الدفن ، وعلم تأويل الرؤيا من علوم الأنبياء ، وأهل الإيمان ، وحسبك بما أخبر الله من ذلك ، عن يوسف عليه السلام ، وما جاء في الآثار الصحاح فيها ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأجمع أئمة الهدى من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء المسلمين أهل السنة والجماعة على الإيمان بها ، وعلى أنها حكمة بالغة ، ونعمة يمن الله بها على من يشاء ، وهي المبشرات الباقية بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -



الخدمات العلمية