الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 188 ] حديث سادس من بلاغات مالك

مالك أنه بلغه عن بكر بن عبد الله بن الأشج عن ابن عطية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا عدوى ، ولا هام ، ولا صفر ، ولا يحل الممرض على المصح ، وليحلل المصح حيث شاء ، قالوا : يا رسول الله ، وما ذاك ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنه أذى

التالي السابق


هكذا رواه يحيى وتابعه قوم ، ورواه القعنبي عن مالك أنه بلغه ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن ابن عطية الأشجعي عن أبي هريرة فزاد في الإسناد ، عن أبي هريرة وتابعه جماعة من أصحاب مالك منهم : عبد الله بن يوسف وأبو المصعب ويحيى بن بكير إلا أن ابن بكير قال فيه : عن مالك عن أبي عطية الأشجعي عن أبي هريرة .

ورواه ابن نافع عن مالك عن المقبري عن أبي هريرة ولم يتابع عليه .

وقيل في ابن عطية : اسمه عبد الله بن عطية ، يكنى أبا عطية وقيل : هو مجهول ، والحديث محفوظ لأبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه كثيرة صحاح من حديث ابن شهاب وغيره ، وليس عند مالك فيه غير [ ص: 189 ] ما في الموطأ ، ولا عنده فيه حديث ابن شهاب - والله أعلم - ; لأنه لم يروه عنه أحد من ثقات أصحابه .

وقد أخبرنا محمد حدثنا علي بن عمر حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى الخازمي حدثنا عبد الملك بن بديل حدثنا مالك عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يورد ممرض على مصح .

قال علي بن عمر : تفرد به عن مالك عبد الملك بن بديل وكان ضعيفا .

قال أبو عمر :

الصحيح فيه ، عن مالك ما في الموطأ : القعنبي وجمهور رواته .

حدثنا خلف بن قاسم حدثنا محمد بن عبد الله بن أحمد القاضي حدثنا أحمد بن عبد الوارث بن جرير العسال حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني حدثنا زياد بن موسى الحضرمي أخبرنا مالك أنه بلغه ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن ابن عطية الأشجعي عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا هام ولا صفر الحديث إلى آخره .

وحدثنا خلف حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد حدثنا أبو هشام الرفاعي حدثنا بشر بن عمر الزهراني حدثنا مالك أنه بلغه ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن أبي عطية أو ابن [ ص: 190 ] عطية - شك بشر - عن أبي هريرة قال : قال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا طيرة ، ولا هام ، ولا يعدي سقيم صحيحا ، وليحل‌ المصح حيث شاء .

ورويناه ، عن يحيى بن بكير قال : سمعت مالك بن أنس يقول : مات بكير بن الأشج أيام هشام بن عبد الملك وكان من نبلاء الناس .

أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى قال : حدثنا علي بن محمد قال : حدثنا أحمد بن داود قال : حدثنا سحنون أخبرنا ابن وهب قال : أخبرنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب أن أبا سلمة بن عبد الرحمن حدثه ، قال : كان أبو هريرة يحدثنا ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا عدوى .

وحدثنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يورد ممرض على مصح الحديثين كليهما ، ثم صمت أبو هريرة بعد ذلك ، عن قوله : لا عدوى .

وأقام على أن لا يورد ممرض على مصح .

قال : فقال الحارث بن أبي ذباب وهو ابن عم أبي هريرة قد كنت أسمعك يا أبا هريرة تحدثنا مع هذا الحديث حديثا آخر قد سكت عنه ، كنت تقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا عدوى فأبى أبو هريرة أن يحدث ذلك ، وقال : لا يورد ممرض على مصح .

فما رآه الحارث في ذلك حتى غضب أبو هريرة ورطن بالحبشية ، فقال للحارث : أتدري ماذا قلت ؟ قال : لا ، قال أبو هريرة : إني أقول : أبيت أبيت .

قال أبو سلمة : فلعمري لقد كان أبو هريرة يحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا عدوى ، ولا هام ، فلا أدري أنسي أبو هريرة أو نسخ أحد القولين الآخر ؟

[ ص: 191 ] ورواه الليث بن سعد عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مثله سواء إلى آخره بمعناه .

وروى يونس أيضا ومعمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا عدوى ، ولا هامة ، ولا صفر ، فقام أعرابي فقال : يا رسول الله ، إن الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء ، فيرد عليها البعير الأجرب فتجرب كلها ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فمن أعدى الأول ؟ هكذا قال معمر ويونس عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة فيما ذكره عبد الرزاق وغيره ، عن معمر وابن وهب عن يونس وخالفهما الزبيدي وشعيب وابن بكير فرووه ، عن الزهري عن سنان بن أبي سنان الدولي عن أبي هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا عدوى فقام أعرابي فذكره سواء .

وروى محمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله أن أبا هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا طيرة ، وخيرها الفال ، قالوا : يا رسول الله ، وما الفأل ؟ قال : الكلمة الصالحة .

وقد أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف حدثنا الحسن بن إسماعيل حدثنا جعفر بن محمد بن بريد الشاهد حدثنا أبو زكرياء يحيى بن زكرياء بن حيويه النيسابوري قال : حدثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة قال : سمعت رسول [ ص: 192 ] الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا طيرة ، وخيرها الفأل ، قيل : وما الفأل ؟ قال : الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم .

قال أبو عمر :

هما حديثان ، عند الزهري بهذين الإسنادين ، فحديث أبي سلمة فيه لا عدوى ، ولا هامة ، ولا صفر ، وليس فيه ذكر الفأل ، وحديث عبيد الله فيه : لا طيرة ، وخيرها الفأل . وليس فيه ذكر لا عدوى ولا صفر .

وقد روى شعبة وهشام عن قتادة عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا عدوى ، ولا طيرة ، ويعجبني الفأل الصالح ، أو قال : وأحب الفأل الصالح ، قيل : يا رسول الله ، وما الفأل ؟ قال : الكلمة الطيبة ، أو قال : الكلمة الحسنة .

أخبرنا محمد بن زكرياء قال : حدثنا أحمد بن سعيد قال : حدثنا أحمد بن خالد قال : حدثنا مروان بن عبد الملك قال : حدثنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعي قال : حدثنا عمي ، عن ابن عون عن ابن سيرين قال : كانوا يستحبون الفأل ، ويكرهون الطيرة ، قال : فقلت لابن عون : يا أبا عون ما الفأل ؟ قال : أن تكون باغيا فتسمع يا واجد ، أو تكون مريضا فتسمع يا سالم .

أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال : حدثنا الحسن بن إسماعيل بن محمد قال : حدثنا أحمد بن عاصم أبو جعفر الحافظ [ ص: 193 ] قال : حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا معلى بن أسد قال : حدثنا عبد العزيز بن المختار قال : حدثني يحيى بن عتيق قال : حدثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا عدوى ، ولا طيرة ، وأحب الفأل الصالح .

وأخبرنا خلف بن قاسم حدثنا محمد بن جعفر بن دران غندر قال : حدثنا أحمد بن علي قال : حدثنا إبراهيم بن الحجاج قال : حدثنا عبد العزيز بن المختار قال : حدثنا يحيى بن عتيق عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا عدوى ، ولا طيرة ، ويعجبني الفأل .

أخبرنا أحمد بن قاسم حدثنا ابن أبي دليم حدثنا ابن وضاح حدثنا كثير بن هشام عن فراك بن سليمان عن عبد الكريم الجزري عن زياد بن أبي مريم قال : خرج سعد بن أبي وقاص في سفر ، فأقبلت الظباء نحوه ، فلما دنت منه رجعت ، فقال له رجل : ارجع أيها الأمير ؟ قال : أخبرني من أيها تطيرت . أمن قرونها حين أقبلت ، أم من أذنابها حين أدبرت ؟ ثم قال سعد عند ذلك : إن الطيرة لشعبة من الشرك .

وقد روى سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عباس وجماعة من الصحابة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا عدوى ، ولا طيرة ، ولا هامة .

حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا بكر بن [ ص: 194 ] حماد قال : حدثنا عبدة قال : حدثنا يحيى حدثنا هشام عن يحيى بن أبي كثير عن الحضرمي بن لاحق عن سعيد بن المسيب قال : سألت سعد بن مالك عن الطيرة فانتهرني ، وقال : من حدثك ؟ فكرهت أن أحدثه ، فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا عدوى ، ولا طيرة ، ولا هامة ، وإن كانت الطيرة في شيء ففي المرأة ، والفرس ، والدار ، وإذا كان الطاعون بأرض ، وأنتم بها فلا تفروا منها . ورواه ابن عباس .

حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا طيرة ، ولا هامة ، ولا صفر .

فقال رجل من القوم : إنا نطرح الشاة الجرباء في الغنم فتجربهن ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أو ابن عباس الأولى من أجربها ؟

وروينا ، عن عكرمة أنه قال : كنا عند ابن عمر وعنده ابن عباس ومر غراب يصيح ، فقال رجل من القوم : خير خير ، فقال ابن عباس : لا خير ، ولا شر .

حدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا إبراهيم بن إسحاق النيسابوري حدثنا يحيى بن يحيى قال : أخبرنا أبو خيثمة عن أبي الزبير عن جابر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا عدوى ، ولا طيرة ، ولا غول .

[ ص: 195 ] روى الثوري وغيره ، عن منصور عن سلمة بن كهيل عن عيسى بن عاصم عن زر عن عبد الله قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الطيرة شرك ، وما منا إلا ، ولكن الله يذهبه بالتوكل .

وروى الليث بن سعد ومفضل بن فضالة عن عياش بن عباس عن عمران بن عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة عن أبي خراش الحميري عن فضالة بن عبيد سمعه يقول : من ردته الطيرة فقد قارب الشرك .

قال أبو عمر :

ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن التطير ، وقال : لا طيرة ، وذلك أنهم كانوا في الجاهلية يتطيرون فنهاهم عن ذلك ، وأمرهم بالتوكل على الله ; لأنه لا شيء في حكمه إلا ما شاء ، ولا يعلم الغيب غيره .

حدثنا عبد الرحمن بن يحيى قال : أخبرنا أحمد بن سعيد قال : حدثنا محمد بن زبان قال : حدثنا زكرياء بن يحيى بن صالح قال : حدثنا المفضل بن فضالة عن عياش بن عباس القتباني عن عمران بن عبد الرحمن القرشي عن أبي خراش الهذلي قال : سمعت فضالة بن عبيد الأنصاري يقول : من ردته طيرة عن شيء فقد قارب الإشراك .

أخبرنا قاسم بن محمد قال : حدثنا خالد بن سعد قال : حدثنا أحمد بن عمرو قال : حدثنا محمد بن سنجر قال : حدثنا فهد بن [ ص: 196 ] عوف وعبيد الله بن محمد العيشي قالا : حدثنا حماد بن سلمة عن أبي سنان عن أبي طلحة الخولاني سمع عمير بن سلمة يقول قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا عدوى ، ولا طيرة ، ولا هام ، ألا ترى إلى البعير يكون في الصحراء فيصبح في كركرته ، أو في مراق بطنه نكتة من جرب لم تكن فيه قبل ذلك ، فمن أعدى الأول ؟

أخبرنا أحمد بن محمد قال : حدثنا وهب بن مسرة قال : حدثنا ابن وضاح قال : أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا علي بن مسهر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يورد الممرض على المصح .

قال أبو عمر :

أما قوله - صلى الله عليه وسلم - لا عدوى ، فهو نهى عن أن يقول أحد إن شيئا يعدي شيئا ، وإخبار أن شيئا لا يعدي شيئا ، فكأنه قال : لا يعدي شيء شيئا ، يقول : ولا يصيب أحد من أحد شيئا من خلق ، أو فعل ، أو داء ، أو مرض ، وكانت العرب تقول في جاهليتها مثل هذا أنه إذا اتصل شيء من ذلك بشيء أعداه ، فأخبرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن قولهم ذلك ، واعتقادهم في ذلك ليس كذلك ، ونهى عن ذلك القول .

وقد ذكرنا في الطيرة والتطير ما للعلماء في ذلك ، والحكماء ما فيه تبصير ، وشفاء لما في الصدور في باب ابن شهاب عن سالم وحمزة [ ص: 197 ] وذكرنا ما جاء في الغول ، والغيلان فيما تقدم أيضا من هذا الكتاب ما فيه مقنع لذوي الألباب .

أخبرنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا ابن قتيبة حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال : حدثنا سعيد بن مسلم بن قتيبة عن أبيه أنه كان يعجب ممن يصدق بالطيرة ، ويعيبه أشد العيب ، وقال : فرقت لنا ناقة ، وأنا بالطف ، فركبت في إثرها ، فلقيني هانئ بن عتبة من بني وائل وهو يركض ، ويقول :


والشر يلقى مطالع الأكم



ثم لقيني رجل آخر من الحي ، وهو يقول :


ولئن بغت لهم بغاة ما البغاة بواجدينا

من شعر لبيد ثم دفعت إلى غلام قد وقع في حفيرة من نار فقيح وجهه وفسد ، فقلت له : هل سمعت بناقة فروق ؟ قال : ههنا أهل بيت من الأعراب فانظر فوجدناها قد نتجت ، ومعها ولدها ، قال صاحب العين : فرقت الناقة تفرق فروقا إذا ذهبت في الأرض بوجع ولادتها ، فهي فارق .

وأما قوله : ولا هامة ، فاختلف فيه : فقيل كانت العرب تقول إن الرجل إذا قتل خرج من رأسه طائر يزقو فلا يسكت حتى يقتل قاتله .

[ ص: 198 ] قال الشاعر :


فإن تك هامة بهراة تزقو فقد أزقيت بالمروين هاما



يعني : مرو الروذ ، ومرو الشاهجان ، كذلك ذكر أبو عبد الله العدوي .

وقال أبو عبيد : أما الهامة ، فإن العرب كانت تقول : إن عظام الميت تصير هامة فتطير .

وقال أبو عمرو مثل ذلك ، وكانوا يسمون ذلك الطائر الصدى ، يعني الذي يخرج من هامة البيت إذا بلي .

قال أبو عبيد : وهذا في أشعار العرب كثير ، قال أبو دؤاد الإيادي :


سلط الموت والمنون عليهم فلهم في صدى المقابر هام



فذكر الصدى والهام جميعا .

وقال لبيد يرثي أخاه أربد - :


فليس الناس بعدك في نفير وما هم غير أصداء وهام



قال : وقال آخرون : كان أهل الجاهلية يقولون إذا مات الرجل : خرجت من رأسه هامة ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا هامة ، أي لا يخرج من رأسه هامة .

وكانوا أيضا يقولون : إن هامته صدئت من حب الشراب فنهوا عن ذلك كله .

وأما قوله : لا صفر ، فاختلف فيه أيضا ، قال ابن وهب : قال بعضهم : هو من الصفار يكون بالإنسان حتى يقتله ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يقتل الصفار أحدا .

قال ابن وهب : وقال آخرون : هو شهر [ ص: 199 ] صفر كانوا يحرمونه عاما ، ويحلونه عاما ، فقال : لا صفر يقول : لا تتحول الشهور عن أسمائها .

وقد ذكر ابن القاسم عن مالك هذا القول ، قال : كانوا يحلون بصفرين يحلونه عاما ، ويحرمونه عاما .

قال : وقال مالك : والهامة أراها الطائرة التي يقال لها الهامة .

وقال أبو عبيد سمعت يونس يسأل رؤبة بن العجاج عن الصفر ، فقال : هي حية تكون في البطن تصيب الماشية والناس ، وهي أعدى من الحرب ، قال أبو عبيد : فأبطل النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها تعدي ، يقال : إنها تشتد على الإنسان وتؤذيه .

قال : أعشى باهلة :


لا يتآرى لما في القبر يرقبه ولا يعض على شرسوفه الصفر



قال أبو عبيد : ويقال في الصفر إنه أخر لهم المحرم إلى صفر في تحريمه .

وقال العدوي : قال لي الأصمعي وابن الأعرابي جميعا : ما رأينا العرب يقفون على الصفر ، بعضهم يقول حية ، وبعضهم يقول داء في البطن .

قال العجاج : كي الطبيب نائط المصفور .

( ويروى قضب الطبيب نائط المصفور قال ابن قتيبة : الصفار والصفر هما اجتماع الماء في البطن يعالج بقطع النائط ، وهو عرق في الصلب - وأنشد بيت العجاج المذكور ) .

[ ص: 200 ] قال : وقال أعشى باهلة :


لا يغمز الساق من أين ولا نصب ولا يعض على شرسوفه الصفر



والشرسوف اللحم الرقيق في الأضلاع ، وهو الطفاطف .

حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن يحيى بن عمر قال : حدثنا علي بن حرب قال : حدثنا سفيان بن عيينة عن منصور عن أبي وائل قال : اشتكى رجل منا يقال له جثم بن العداء ببطنه داء تسميه العرب الصفر ، فبعث له السكر ، فقال : سل لي ابن مسعود فسألته ، فقال : إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم .

وأما قوله : لا يحل الممرض على المصح ، وليحل المصح حيث شاء فهو من حل يحل إذا نزل ، واحتل بقوم ، والممرض الذي إبله مريضة أو غنمه ، والمصح الذي إبله أو ماشيته صحيحة ، يقول لا يدنو ، ولا ينزل من إبله مريضة على صاحب الإبل الصحيحة ، فإنه يؤذيه لما يولد في قلبه من حدوث الريب في أن ذلك يعدي ، وإن كان لا شيء على الحقيقة ، والنفس تكره ذلك لا سيما ما كانوا عليه من اعتقاد الأعراب في جاهليتهم .

وذكر ابن وهب عن ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر قال : يكره أن يدخل المريض على الصحيح ، وليس به إلا قول الناس .

وقال أبو عبيد معنى الأذى - عندي - المأثم .

[ ص: 201 ] أخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا الحسن بن إسماعيل قال : حدثنا محمد بن داود بن سليمان البغدادي قال : حدثنا بشر بن موسى قال : حدثنا المقرئ عن ابن لهيعة قال : أخبرني ابن هبيرة عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الرحمن بن عمرو بن العاص عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من رجعته الطيرة من حاجة فقد أشرك ، قال : وما كفارة ذلك يا نبي الله ؟ قال : أن يقول أحدهم : اللهم لا طير إلا طيرك ، ولا خير إلا خيرك ، ولا إله غيرك ، ثم يمضي لحاجته .

وذكر ابن وهب قال : أخبرني أسامة بن زيد قال : سمعت نافع بن جبير بن مطعم يقول : سأل كعب الأحبار عبد الله بن عمرو فقال : هل تتطير ؟ قال : نعم ، فكيف تقول إذا تطيرت ؟ قال : أقول اللهم لا طير إلا طيرك ، ولا خير إلا خيرك ، ولا رب غيرك ، ولا قوة إلا بك .

فقال كعب إنه أفقه العرب ، وإنها لكذلك في التوراة .




الخدمات العلمية