الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 232 ] حديث رابع عشر من البلاغات

مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامل من عماله ، أنه بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا بعث سرية يقول لهم : اغزوا بسم الله في سبيل الله تقاتلون من كفر بالله ، لا تغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليدا ، وقل ذلك لجيوشك ، وسراياك إن شاء الله .

التالي السابق


وهذا الحديث يتصل معناه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه صحاح من حديث بريدة الأسلمي ، وأنس بن مالك ، وصفوان بن عسال ، وأبي موسى الأشعري ، والنعمان بن مقرن ، وابن عباس ، وجرير بن عبد الله البجلي .

حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود ، وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا عبيد بن عبد الواحد قالا : حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى الأنطاكي الفراء قال : أخبرنا أبو إسحاق الفزاري ، عن سفيان ، عن علقمة بن مرثد ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا أمر أميرا على جيش ، أو سرية أوصاه في خاصة نفسه ، ومن معه من المسلمين خيرا ، ثم قال : اغزوا بسم الله ، وفي سبيل الله [ ص: 233 ] وقاتلوا من كفر بالله اغزوا ، ولا تعتدوا ، ولا تغدروا ، ولا تغلوا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليدا .

وليس في حديث عبد الوارث : ولا تعتدوا
.

أخبرنا عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا يحيى بن آدم ، وعبيد الله بن موسى ، عن حسن بن صالح ، عن خالد بن الفزر قال : حدثني أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : انطلقوا بسم الله ، وبالله ، وعلى ملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تقتلوا شيخا فانيا ، ولا طفلا ، ولا صغيرا ، ولا امرأة ، ولا تغلوا ، وضموا غنائمكم وأصلحوا ، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين .

أخبرنا قاسم بن محمد ، حدثنا خالد بن سعد ، حدثنا أحمد بن عمرو بن منصور ، حدثنا محمد بن سنجر ، حدثنا عفان ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا أبو روق عطية بن الحارث قال : حدثنا أبو الغريف عبيد الله بن خليفة ، عن صفوان بن عسال قال : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية فقال : اغزوا بسم الله في سبيل الله ، لا تغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليدا ، وذكرنا ما في الحديث في المسح على الخفين .

قال أبو عمر :

أجمع العلماء على القول بهذا الحديث ، ولم يختلفوا في شيء منه ، فلا يجوز - عندهم - الغلول ، ولا الغدر ، ولا المثلة ، ولا قتل الأطفال في دار [ ص: 234 ] الحرب ، والغدر : أن يؤمن الحربي ، ثم يقتل ، وهذا لا يحل بإجماع ، قال - صلى الله عليه وسلم : يرفع لكل غادر لواء ، عند استه يوم القيامة ، يقال : هذه غدرة فلان .

رواه مالك ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يقل ، عند استه .

وقد كان عمر - رضي الله عنه - يقول : لا أوتى بأحد فعل ذلك إلا قتلته ، وهذا عند أهل الحجاز تغليظ ، إذ لا يقتل مومن بكافر عندهم ، وهو الحق لثبوت الخبر به ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكذلك المثلة لا تحل بإجماع ، والمثلة المعروفة نحو قطع الأنف ، والأذن ، وفقء العين ، وشبه ذلك من تغيير خلق الله عبثا ، قال - صلى الله عليه وسلم : أعف الناس قتلة ، أو قال : أحسن الناس قتلة أهل الإيمان ، وليس من وجب قتله يجب بذلك قطع أعضائه إلا أن يوجبه خصوصا كتاب ، أو سنة ، أو إجماع ، فقف على هذا فإنه أصل .

أخبرنا عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا محمد بن عيسى ، وزياد بن أيوب قالا : حدثنا هشيم قال : أخبرنا مغيرة عن سماك ، عن إبراهيم ، عن هني بن نويرة ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : أعف الناس قتلة أهل الإيمان .

وروى سمرة بن جندب ، وعمران بن حصين ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يحث على الصدقة ، وينهى ، عن المثلة .

[ ص: 235 ] وقد مضى القول في الغلول وإثمه ، وحكم الغال في باب ثور بن زيد ، ومضى القول في قتل النساء ، والولدان في باب نافع من هذا الكتاب ، والحمد لله .




الخدمات العلمية