الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 304 ] حديث ثامن وعشرون من البلاغات

مالك أنه بلغه أن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم ، إذا كثر الخبث .

التالي السابق


وهذا الحديث لا يعرف لأم سلمة بهذا اللفظ ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من وجه ليس بالقوي ، يروى عن محمد بن سوقة ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن أم سلمة ، وقد روي في معنى هذا الباب حديث ، عن أم سلمة في هذا المعنى بغير هذا اللفظ .

وأما هذا اللفظ فإنما هو معروف لزينب بنت جحش ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو مشهور محفوظ من حديث ابن شهاب ، وقد اختلف عليه في بعض إسناده .

حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال : حدثنا الحميدي .

وحدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال : حدثنا إسحاق بن عيسى قالا : حدثنا سفيان بن عيينة قال : حدثنا الزهري ، عن عروة ، عن زينب بنت أم سلمة ، عن حبيبة بنت أم حبيبة ، عن أمها أم حبيبة [ ص: 305 ] عن زينب بنت جحش ، قالت : استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نومه محمرا وجهه ، وهو يقول : لا إله إلا الله ، ويل للعرب من شر قد اقترب ، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه ، وحلق سفيان بيده ، وعقد عشرة قالت : فقلت : يا رسول الله ، أنهلك ، وفينا الصالحون قال : نعم إذا كثر الخبث .

قال الحميدي : قال سفيان : أحفظ في هذا الحديث من الزهري أربع نسوة ، قال : سفيان ، وقد رأين النبي - صلى الله عليه وسلم - اثنتين من أزواجه ، أم حبيبة ، وزينب بنت جحش ، واثنتين ربيبتيه : زينب بنت أم سلمة ، وحبيبة بنت أم حبيبة ، أبوها عبيد الله بن جحش ، مات بأرض الحبشة هكذا قال : ابن عيينة ، وخالفه عقيل ، فرواه عن ابن شهاب أن عروة حدثه أن زينب بنت أم سلمة حدثته عن أم حبيبة بنت أبي سفيان ، عن زينب بنت جحش ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله ، ولم يذكر إلا ثلاث نسوة ، لم يذكر حبيبة بنت أم حبيبة ، حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا المطلب بن شعيب قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني الليث قال : حدثني عقيل .

وقال محمد بن يحيى النيسابوري ، وكذلك رواه صالح بن كيسان ، وشعيب بن أبي حمزة ، وسليمان بن كثير ، وعبد الرحمن بن إسحاق ، والزبيري كلهم عن الزهري ، عن عروة ، عن زينب ، عن أم حبيبة ، عن زينب ليس فيه ذكر حبيبة كما رواه عقيل قال : وهو المحفوظ عندنا .

[ ص: 306 ] قال : وكذلك رواه مسدد ، وسعيد بن منصور ، ونعيم بن حماد ، عن سفيان بن عيينة .

قال : ورواه علي بن المديني ، وجماعة عن سفيان ، فذكروا فيه حبيبة قال : وذلك غير محفوظ عندنا ، قال : وإنما رواه هؤلاء عن سفيان بآخرة ، قال : وقلت لمسدد : فإنهم يروون ، عن سفيان أربع نسوة ، فقال : هكذا سمعته منه سنة أربع وسبعين ، وقال سعيد بن منصور ، سمعته منه سنة ست وسبعين هكذا ، وسمعوه بآخرة يقول حبيبة .

قال أبو عمر :

وممن رواه عن ابن عيينة كما قال : النيسابوري نعيم ، وسعيد بن منصور ، ومسدد ، وعبد الرحمن بن شيبة الجدي .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا بكر بن حماد قال : حدثنا مسدد ، وحدثنا خلف بن القاسم قال : حدثنا الحسين بن جعفر قال : حدثنا يوسف بن يزيد قال : حدثنا عبد الرحمن بن شيبة الجدي قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عروة ، عن زينب بنت أبي سلمة ، عن أم حبيبة ، عن زينب بنت جحش ، قالت : استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نوم محمرا وجهه ، وهو يقول : ويل للعرب من شر قد اقترب ، فتح اليوم من ردم يأجوج ، ومأجوج [ ص: 307 ] مثل هذا ، وحلق عشرة فقلت : يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم إذا كثر الخبث .

قال أبو عمر :

رواه أسد بن موسى كما رواه الحميدي ، وعلي بن المديني ، ومن تابعهما .

وأما قوله فيه : إذا كثر الخبث ، فمعناه ، عند أكثرهم : الزنا ، وأولاد الزنا ، وجملة القول - عندي في معناه - أنه اسم جامع يجمع الزنا ، وغيره من الشر ، والفساد ، والمنكر في الدين ، والله أعلم .

أخبرني أحمد بن سعيد بن بشر قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي دليم قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا عبد العزيز بن مقلاص قال : سمعت عبد الله بن وهب يقول في تفسير الخبث حين يكثر الخبث ، قال : أولاد الزنا ، ومما يشهد لهذا التأويل ، ما حدثناه خلف بن القاسم قال : حدثنا محمد بن أحمد المسور قال : حدثنا مقدام بن داود قال : حدثنا يوسف بن عدي الكوفي قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك بن حرب ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، عن أبيه عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إذا ظهر الربا ، والزنا في قرية ، أذن الله في هلاكها .

وأما حديث أم سلمة في هذا الباب ، فأخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المومن قال : حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال : حدثنا عبد الله [ ص: 308 ] بن أحمد بن حنبل قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا شريك بن عبد الله ، عن جامع بن أبي راشد ، عن منذر الثوري ، عن الحسن بن محمد قال : حدثتني امرأة من الأنصار - هي حية - قالت : دخلت على أم سلمة فدخل عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأنه غضبان ، فاستترت بكم درعي ، فتكلم بكلام لم أفهمه ، فقلت : يا أم المومنين كأني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل وهو غضبان ، فقالت : نعم ، أوما سمعت ما قال ؟ قلت : وما قال ؟ قالت : قال : إن السوء إذا فشا في الأرض فلم يتناه عنه ، أرسل الله بأسه على أهل الأرض .

قالت : قلت : يا رسول الله ، وفيهم الصالحون ؟ قال : نعم ، وفيهم الصالحون يصيبهم ما أصابهم ، ثم يقبضهم الله إلى مغفرته ، ورضوانه ، أو إلى رضوانه ، ومغفرته
.

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا بكر بن حماد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا يزيد بن زريع ، ويحيى بن سعيد قالا : حدثنا يزيد بن حاتم بن أبي صغيرة .

وقال يحيى أبو يونس : قال : حدثني مهاجر بن القبطية ، أنه سمع أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهي جالسة في هذه البطحاء ، تقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ليخسفن بجيش يغزون هذا البيت ببيداء من الأرض ، فقال رجل من القوم : يا رسول الله ، وإن كان فيهم الكاره ، قال : يبعث كل رجل على نيته .

وذكر أحمد بن حنبل ، عن جرير ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن عبيد الله بن القبطية ، عن أم سلمة ، مثله بمعناه .

[ ص: 309 ] أخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا حسين ، حدثنا خلف يعني ابن خليفة ، عن ليث ، عن علقمة بن مرثد ، عن المعرور بن سويد ، عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب من عنده . قلت : يا رسول الله ، أما فيهم يومئذ أناس صالحون ؟ قال : بلى ، قلت : كيف يصنع بأولئك ؟ قال : يصيبهم ما أصابهم ، ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ، ورضوان .

حدثنا أحمد بن محمد قال : حدثنا أحمد بن الفضل قال : حدثنا محمد بن جرير قال : حدثنا علي بن سهل ، وسهل بن موسى ، واللفظ له ، قالا : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي قال : سمعت بلال بن سعد ، يقول إن الخطيئة إذا أخفيت لم تضر إلا صاحبها ، فإذا ظهرت لم تغير ضرت العامة .

وقد روى أنس بن مالك في هذا الباب حديثا جيدا بإسناد حسن من رواية أهل المدينة بنحو معناه نحو حديث زينب المذكور في هذا الباب ، حدثناه خلف بن القاسم الحافظ ، قال : حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد الخصيبي القاضي ، قال : حدثنا محمد بن نصر بن منصور أبو جعفر الصائغ ، حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي ، حدثنا [ ص: 310 ] أبو ضمرة أنس بن عياض ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن أنس بن مالك قال : ذكر خسف قبل المشرق ، فقالوا يا رسول الله ، يخسف بأرض فيها مسلمون قال : نعم إذا أكثر أهلها الخبث .

وأخبرنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن البزار قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي دليم قال : حدثنا محمد بن وضاح قال : حدثنا هارون بن عبد الله الحمال ، حدثنا سيار بن حاتم ، حدثني جعفر بن سليمان ، حدثنا إبراهيم بن عمرو الصنعاني ، عن الرضين بن عطاء الشامي قال : أوحى الله إلى يوشع بن نون أني مهلك من قومك مائة ألف ، أربعين ألفا من خيارهم ، وستين ألفا من شرارهم .

قال : يا رب تهلك شرارهم فما بال خيارهم ؟ قال : إنهم يدخلون على الأشرار فيواكلونهم ، ويشاربونهم ، ولا يغضبون بغضبي .

حدثنا خلف بن سعيد قال : حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أحمد بن خالد قال : حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا محمد بن عبد الله الرقاشي قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن يونس بن يزيد ، عن الزهري ، عن حمزة بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه ، عن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا أصاب الله قوما ببلاء ، عم به من بين أظهرهم ، ثم يبعثون على أعمالهم .

حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن الفضل ، حدثنا محمد بن جرير ، حدثنا أبو كريب ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، حدثنا مغيرة ، عن الشعبي قال : سمعت النعمان بن بشير قال : سمعت رسول الله [ ص: 311 ] - صلى الله عليه وسلم - يقول على هذا المنبر : مثل المنتهك لحدود الله ، والمدهن فيها ، والقائم بها مثل ثلاثة نفر اصطحبوا في سفينة فجعل أحدهم يحفرها ، فقال الآخر : إنما تريد أن تغرقنا ، وقال الآخر دعه فإنما يحفر مكانه .

قال أبو عمر :

دخل هذا في معنى قول الله - عز وجل - : ( أنجينا الذين ينهون عن السوء ) الآية ، فلم يذكر في النجاة إلا من نهى ، وسكت عمن لم ينه ، وأما من رضي فليس فيه اختلاف ، قال - صلى الله عليه وسلم - في الأمراء : ولكن من رضي ، وتابع ، ومعلوم أن العقوبة إنما تستوجب بفعل ما نهي عنه ، وترك فعل ما أمر به ، وقد لزم النهي عن المنكر كل مستطيع بقوله - عز وجل - : ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ) ، ومن مكن في الأرض لم يضعف عن ذلك ، ومن ضعف لزمه التغيير بقلبه ، فإن لم يغير بقلبه ، فقد رضي وتابع .

وقال عمر بن عبد العزيز : كان يقال إن الله لا يعذب العامة بذنب الخاصة ، ولكن إذا صنع المنكر جهارا ، استحقوا العقوبة . ذكره مالك ، عن إسماعيل بن أبي حكيم ، عن عمر بن عبد العزيز ، وهذا معناه إذا قدروا ، وكانوا في عز وامتناع من الأذى ( والله أعلم ) .

[ ص: 312 ] أخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثنا أبي .

قال : حدثنا وكيع عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبيد الله بن جرير ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز ، وأمنع لا يغيرون إلا عمهم الله بعقابه .

وحدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا سليمان بن حرب قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن المعلى بن زياد ، عن الحسن ، عن ضبة بن محصن ، عن أم سلمة .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا بكر بن حماد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن المعلى بن زيادة ، وهشام بن حسان ، عن الحسن ، عن ضبة بن محصن ، عن أم سلمة .

وحدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا عبد الله بن روح المدائني قال : حدثنا يزيد بن هارون .

وحدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا بكر بن حماد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا يحيى قالا : أخبرنا هشام بن حسان ، عن الحسن ، عن ضبة بن محصن ، عن أم سلمة ، واللفظ لحديث سليمان بن حرب قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : يكون عليكم أئمة تعرفون [ ص: 313 ] عنهم ، وتنكرون ، فمن أنكر فقد بريء ، ومن كره فقد سلم ، ولكن من رضي وتابع ، فأبعده الله ، قيل : يا رسول الله أفلا نقتلهم ؟ قال : لا ما صلوا .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن زهير قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحمادي قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن مغيرة بن زياد ، عن عدي بن عدي ، عن العرس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : سيليكم ، ولاة يعملون أعمالا تنكرونها فمن أنكر سلم ، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها .

وذكره بقي بن مخلد قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، وعبيد بن يعيش قالا : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن المغيرة بن زياد ، عن عدي بن عدي ، عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقال له العرس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إذا عمل بالمعصية فمن شهدها ، وكرهها كان كمن غاب عنها ، ومن غاب عنها ، ورضيها كان كمن شهدها .

وروي من حديث أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

وروى أبو جحيفة ، عن علي أنه قال : أول ما تغلبون عليه من دينكم الجهاد بأيديكم ، ثم الجهاد بألسنتكم ، ثم الجهاد بقلوبكم ، فمن لم يعرف قلبه المعروف ، وينكر قلبه المنكر ، نكس فجعل أعلاه أسفله .

وقال عبد الله بن مسعود : بحسب المومن إذا رأى منكرا لا يستطيع تغييره أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره .

حدثناه [ ص: 314 ] أحمد بن محمد قال : حدثنا أحمد بن الفضل ، حدثنا محمد بن جرير ، حدثنا ابن المثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عبد الملك أبي عبيد قال : سمعت ربيع بن عميلة قال : سمعت عبد الله بن مسعود يقول فذكره .

وحدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن الفضل ، حدثنا محمد بن جرير قال : حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا شعبة ، عن الأعمش ، عن سليمان بن ميسرة ، عن طارق بن شهاب قال : قال عبد الله بن مسعود : إنكم في زمن الناطق فيه خير من الصامت ، والقائم فيه خير من القاعد ، وسيأتي عليكم زمان الصامت فيه خير من الناطق ، والقاعد فيه خير من القائم ، فقال له رجل يرونه طارقا : كيف يكون أمر من عمل به اليوم كان هدى ، ومن عمل به بعد اليوم كان ضلالة ؟ فقال : اعتبر ذلك برجلين من القوم يعملون بالمعاصي ، فصمت أحدهما فسلم ، وقال الآخر : إنكم تفعلون وتفعلون ، فأخذه فذهبوا به إلى سلطانهم فلم يزالوا به حتى عمل مثل عملهم .

حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن الفضل ، حدثنا محمد بن جرير ، حدثنا محمد بن حميد ، حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن سليمان بن ميسرة ، عن طارق بن شهاب الأحمسي ، عن عبد الله بن مسعود قال : إنكم في زمان الناطق فيه خير من الصامت ، وذكره مثله سواء بمعناه .

[ ص: 315 ] وبه عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن زاذان قال : قال حذيفة : ليأتين عليكم زمان خياركم فيه من لم يأمر بالمعروف ، ولم ينه عن المنكر .

حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن الفضل ، حدثنا محمد بن جرير ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا خالد ، عن أبي قلابة قال : قال حذيفة : إني لأشتري ديني بعضه ببعض مخافة أن يذهب كله .

قال خالد : فحدثت به محمد بن سيرين ، فقال : نعم ، قال حذيفة : إني لأصنع أشياء أكرهها مخافة أكثر منها .

حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن الفضل ، حدثنا محمد بن جرير ، حدثنا جعفر بن مكرم ، حدثنا قريش بن أنس ، عن ابن عون ، عن الحسن ، عن الأحنف أنه كان جالسا ، عند معاوية فقال : يا أبا بحر ألا تتكلم ؟ قال : إني أخاف الله إن كذبت ، وأخافكم إن صدقت .

وروى مجالد ، وإسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم قال : سمعت أبا بكر يقول في خطبته : أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية ( ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) وإن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه يوشك أن يعمهم الله بعقابه .

حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن الفضل ، حدثنا محمد بن جرير ، حدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع ، حدثنا يونس بن أبي [ ص: 316 ] إسحاق ، عن أبي إسحاق ، عن هلال بن خباب ، عن عكرمة بن عمرو ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم : كيف بك في حثالة من الناس ، وقد مرجت عهودهم وأماناتهم ؟ قال : قلت : كيف أصنع يا رسول الله ؟ قال : عليك بخويصة نفسك ، ودع عوامهم .

حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المومن بن يحيى قال : حدثنا أبو بكر بن محمد بن عبد الرزاق التمار بالبصرة ، قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا أبو الربيع سليمان بن داود العتكي قال : حدثنا ابن المبارك ، عن عتبة بن أبي حكيم قال : حدثني عمرو بن جارية اللخمي قال : حدثنا أبو أمية الشعباني قال : سألت أبا ثعلبة الخشني ، فقلت : يا أبا ثعلبة ، كيف تقول في هذه الآية : ( عليكم أنفسكم ) قال : أما والله لقد سألت عنها خبيرا ، سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ائتمروا بالمعروف ، وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا ، وهوى متبعا ، ودنيا مؤثرة ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بنفسك ، ودع العوام .

وقال : من ورائكم أيام الصبر فيها كقبض على الجمر ، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله
.

قال أبو عمر :

قد قدمنا في باب يحيى بن سعيد ، عن عبادة بن الوليد من الآثار ما يوضح أن الحرج مرفوع ، عن كل من يخاف على نفسه في تغيير المنكر ، أو يضعف ، عن القيام بذلك .

[ ص: 317 ] وفي هذا الباب من الحديث المرفوع ، وغيره ما يكفي ، ويشفي لفهمه ، والله الموفق لا شريك له .




الخدمات العلمية