الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              الآية السابعة والعشرون

                                                                                                                                                                                                              قوله تعالى { ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت [ ص: 420 ] أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون } .

                                                                                                                                                                                                              فيها أربع عشرة مسألة : المسألة الأولى : في سبب نزولها : وفي ذلك ثمانية أقوال : الأول : أن الأنصار كانوا يتحرجون إذا دعوا إلى طعام أن يأكلوا مع هؤلاء من طعام واحد ، ويقولون : الأعمى لا يبصر طيب الطعام ، والأعرج لا يستطيع الزحام عند الطعام ، والمريض يضعف عن مشاركة الصحيح في الطعام ، وكانوا يعزلون طعامهم مفردا ، ويرون أنه أفضل ; فأنزل الله الآية ، ورفع الحرج عنهم في مؤاكلتهم ; وهذا قول ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                              الثاني : أن أهل الزمانة هؤلاء ليس عليهم حرج أن يأكلوا من بيوت من سمى الله بعد هذا من أهاليهم ; قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                              الثالث : رواه مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن الآية نزلت في أناس كانوا إذا خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنون في الجهاد وضعوا مفاتيح بيوتهم عند أهل العلة ممن يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : عند الأعمى ، والأعرج ، والمريض ، وعند أقاربهم ، وكانوا يأمرونهم أن يأكلوا من بيوتهم إذا احتاجوا إلى ذلك ، فكانوا يتقونه ويقولون : نخشى ألا تكون نفوسهم بذلك طيبة ، فأنزل الله هذه الآية يحله لهم .

                                                                                                                                                                                                              الرابع : أن علي بن أبي طلحة روى عن ابن عباس لما أنزل الله : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم } . فقال المسلمون : إن الله قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ، والطعام هو من أفضل الأموال ، فلا يحل لأحد منا أن [ ص: 421 ] يأكل عند أحد ، فكف الناس عن ذلك ; فأنزل الله هذه الآية إلى قوله { أو ما ملكتم مفاتحه } وهو الرجل يوكل الرجل بضيعته .

                                                                                                                                                                                                              الخامس : من دعي إلى وليمة من هؤلاء الزمنى فلا حرج عليه أن يدخل معه قائده .

                                                                                                                                                                                                              السادس : أنها نزلت حين كانت البيوت لا أبواب لها والستور مرخاة ، والبيت يدخل ، فربما لم يوجد فيه أحد ، والبيوت اليوم فيها أهلها ، فإذا خرجوا أغلقوها .

                                                                                                                                                                                                              السابع : أنها نزلت في جواز مبايعة الزمنى ، ومعاملتهم ; قالته عائشة .

                                                                                                                                                                                                              الثامن : قال الحسن : قوله تعالى : { ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج } : نفي لوجوب الجهاد عليهم . وقوله تعالى بعد ذلك : { ولا على أنفسكم } كلام مستأنف خوطب به جميع الناس .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية