الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          فصل والمبتدأة بدم أو صفرة أو كدرة أي التي ابتدأ بها شيء من ذلك بعد تسع سنين فأكثر ( تجلس ) أي تدع نحو صلاة وصوم وطواف وقراءة ( بمجرد ما تراه ) أي ما ذكر من دم أو صفرة أو كدرة . لأن الحيض جبلة ، والأصل عدم الفساد . فإن انقطع قبل بلوغ أقل الحيض لم يجب له غسل لأنه لا يصلح حيضا ، وإلا جلست ( أقله ) يوما وليلة ( ثم تغتسل ) بعده ، سواء انقطع لذلك أو لا ( وتصلي ) وتصوم ونحوهما . لأن ما زاد على أقله يحتمل الاستحاضة ، فلا تترك الواجب بالشك ، ولا تصلي قبل الغسل ، لوجوبه للحيض .

                                                                          ( فإذا ) جاوز الدم أقل الحيض ثم انقطع ( ولم يجاوز أكثره ) أي الحيض ، بأن انقطع لخمسة عشر يوما فما دون ( اغتسلت أيضا ) وجوبا لصلاحيته أن يكون حيضا ( تفعله ) أي ما ذكر وهو جلوسها يوما وليلة وغسلها عند آخرهما وغسلها عند انقطاع الدم ( ثلاثا ) أي في ثلاثة أشهر ، لقوله صلى الله عليه وسلم { دعي الصلاة أيام أقرائك } وهي جمع وأقله ثلاث ، فلا تثبت العادة بدونها ،

                                                                          ولأن ما اعتبر له التكرار اعتبر فيه الثلاث ، كالأقراء والشهور في عدة الحرة ، وكخيار المصراة ، ومهلة المرتد ( فإن لم يختلف ) حيضها في الشهور الثلاثة ( صار عادة تنتقل إليه ) فتجلس جميعه في الشهر الرابع ، لتيقنه حيضا ( وتعيد صوم فرض ) كرمضان وقضائه ونذر ( ونحوه ) كطواف واعتكاف واجبين إذا ( وقع ) ذلك ( فيه ) لأنا تبينا فساده ، لكونه في الحيض .

                                                                          وإن اختلف ، فما تكرر منه ثلاثة ، فحيض مرتبا كان ، كخمسة في أول شهر ، وستة في ثان ، وسبعة في ثالث ، أو غير مرتب . و ( لا ) تعيد ذلك ( إن أيست قبل تكراره ) ثلاثا ( أو لم يعد ) الدم إليها إلا بأن لم تتحقق كونه حيضا والأصل براءتها ( ويحرم وطؤها ) والدم باق ، ولو بعد اليوم والليلة ( قبل تكراره ) لأن الظاهر أنه حيض ، وإنما أمرت بالعبادة فيه احتياطا ، فيجب أيضا ترك وطئها احتياطا .

                                                                          ( ولا يكره ) وطؤها ( إن طهرت ) في أثنائه ( يوما [ ص: 116 ] فأكثر ) بعد غسلها ; لأنها رأت النقاء الخالص صححه في الإنصاف ، وتصحيح الفروع ومفهومه : يكره إن كان دون يوم ولا يعارضه ما سبق لأنه في المعتادة ، وهذا في المبتدأة . وظاهر الإقناع : لا فرق ( وإن جاوزه ) أي جاوز دم مبتدأة أكثر حيض ( ف ) هي ( مستحاضة ) لأنه لا يصلح أن يكون حيضا والاستحاضة : سيلان الدم في غير زمن الحيض من عرق ، يقال له : العاذل بالذال المعجمة .

                                                                          وقيل : بالمهملة ، حكاهما ابن سيده والعاذر لغة فيه من أدنى الرحم ، دون قعره ، إذ المرأة لها فرجان : داخل بمنزلة الدبر منه الحيض . وخارج بمنزلة الأليتين ، منه الاستحاضة . والمستحاضة من جاوز دمها أكثر الحيض والدم الفاسد أعم من الاستحاضة ، ذكره في الإنصاف بمعناه . ثم لا تخلو من حالين ، إما أن تكون مميزة وقد ذكرها بقوله : ( فما بعضه ) أي بعض دمها ( ثخين ) وبعضه رقيق ( أو ) بعضه ( أسود ) وبعضه أحمر ( أو ) بعضه ( منتن ) وبعضه غير منتن .

                                                                          ( وصلح ) بضم اللام وفتحها أي الثخين أو الأسود أو المنتن ( حيضا ) بأن لم ينقص عن أقله ولم يجاوز أكثره ( تجلسه ) أي تدع زمنه الصوم والصلاة ونحوهما ، مما تشترط له الطهارة ، فإذا مضى اغتسلت وفعلت ذلك لحديث عائشة قالت : { جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت . يا رسول الله ، إني أستحاض ، فلا أطهر أفأدع الصلاة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : إنما ذلك دم عرق ، وليس بالحيضة . فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي } متفق عليه .

                                                                          وللنسائي وأبي داود { إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف ، فأمسكي عن الصلاة } فإذا كان الآخر فتوضئي فإنما هو دم عرق " وقال ابن عباس " أما ما رأت الدم البحراني فإنها تدع الصلاة ، إنها والله إن ترى الدم بعد أيام محيضها إلا كغسالة اللحم " وحيث صلح ذلك جلسته .

                                                                          ( ولو لم يتوال ) بأن كانت ترى يوما دما أسود ويوما دما أحمر ، إلى خمسة عشر فما دون ، ثم أطبق الأحمر ، فتضم الأسود بعضه إلى بعض وتجلسه ، وما عداه استحاضة ، وكذا لو رأت يوما أسود وستة أحمر ، فتجلس الثلاثة في زمن الأسود ( أو ) لم ( يتكرر ) فتجلس زمن الأسود الصالح في أول شهر وما بعده ، ولا تتوقف على تكراره وتجلسه أيضا ولو انتفى التوالي والتكرار معا لأن التمييز أمارة في نفسه فلا تحتاج ضم غيره إليه وتثبت العادة بالتمييز إذا تكرر ثلاثة [ ص: 117 ] أشهر ، فتجلسه في الرابع ، وإن لم يكن متميزا .

                                                                          الحال الثاني : أن تكون غير مميزة ، وإليه الإشارة بقوله : ( وإلا ) أي وإن لم يكن بعض دمها ثخينا أو أسود أو منتنا ، وصلح حيضا بأن كان كله على صفة واحدة ، أو الأسود منه ونحوه دون اليوم والليلة ، أو جاوز الخمسة عشر ( ف ) تجلس ( أقل الحيض من كل شهر ) لأنه اليقين ( حتى يتكرر ) دمها ثلاثة أشهر لأن العادة لا تثبت بدونه ، كما تقدم .

                                                                          ( فتجلس ) إذا تكرر ( من ) مثل ( أول وقت ابتدائها ) إن علمته من كل شهر ستا أو سبعا بتحر ( أو ) تجلس من ( أول كل شهر هلالي إن جهلته ) أي وقت ابتدائها بالدم ( ستا أو سبعا ) من الأيام بلياليها ( بتحر أي باجتهاد ) في حال الدم ، وعادة أقاربها من النساء ، لحديث حمنة بنت جحش ، قالت : { يا رسول الله إني أستحاض حيضة شديدة كبيرة قد منعتني الصوم والصلاة . فقال : تحيضي في علم الله ستا أو سبعا ، ثم اغتسلي } رواه أحمد وغيره . وعملا بالغالب

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية