الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : وخوف فوت صلاة جنازة ) أي يجوز التيمم لخوف فوت صلاة الجنازة أطلقه وقيده في الهداية بأربعة أشياء حضور الجنازة وكونه صحيحا وكونه في المصر وكونه ليس بولي ووافقه على الأخير في الوافي ولا حاجة إلى هذه القيود أصلا ; لأن المريض يرخص له التيمم مطلقا وكذا المسافر وقبل حضورها لا يخاف الفوت إذ الوجوب بالحضور وكذا لا يخاف الفوت الولي مع أن في جوازه له خلافا ففي الهداية الصحيح أنه لا يجوز له التيمم ; لأن للولي حق الإعادة فلا فوات في حقه واختاره المصنف في الكافي وصحح في التجنيس في الإمام عدم الجواز إن كانوا ينتظرونه ، وإلا جاز وفي ظاهر الرواية جوازه لهما وصححه السرخسي وقال صاحب الذخيرة لا فرق بين الإمام والمقتدي ومن له حق الصلاة ; لأن الانتظار فيها مكروه والمراد بالولي من له التقدم حتى لا يجوز التيمم للسلطان والقاضي والوالي على ما في الهداية ; لأن الولي إذا كان لا يجوز له التيمم ، وهو مؤخر فمن هو مقدم عليه أولى ; لأن المقدم على الولي له حق الإعادة لو صلى الولي فعلى هذا يجوز التيمم للولي إذا كان هو مقدم عليه حاضرا اتفاقا ; لأنه يخاف الفوت إذ ليس له حق الإعادة لو صلى من هو مقدم عليه كما علم في الجنائز ، وكذا يجوز للولي التيمم إذا أذن لغيره بالصلاة ; لأنه حينئذ لا حق له في الإعادة فيخاف فوتها ولا يجوز لمن أمره الولي كذا في الخلاصة

                                                                                        وهذه التفاريع التي ذكرناها إنما هي على مختار صاحب الهداية أما على ظاهر الرواية فيجوز التيمم للكل عند خوف الفوت ولا فرق في جوازه عند الخوف بين كونه محدثا أو جنبا أو حائضا أو نفساء كما صرح به في النهاية وغيرها ولا بد من خوف فوت التكبيرات كلها لو اشتغل بالطهارة ، فإن كان يرجو أن يدرك البعض لا يتيمم ; لأنه لا يخاف الفوت ; لأنه يمكنه أداء الباقي وحده كذا في البدائع والقنية وذكر ابن أمير حاج أنه لم يقف على هذا التفصيل في صلاة الجنازة فلله الحمد والمنة والأصل في هذه المسائل أن كل موضع يفوت الأداء لا إلى خلف يجوز له التيمم وفي كل موضع لا يفوت الأداء لا يجوز .

                                                                                        ثم اعلم بأن الصلاة ثلاثة أنواع نوع لا يخشى فواتها أصلا لعدم توقتها كالنوافل ونوع يخشى فواتها أصلا كصلاة الجنازة والعيد ونوع يخشى فواتها وتقضى بعد وقتها أصلها أو بدلها كالجمعة والمكتوبات أما الأول فلا يتيمم لها عند وجود الماء .

                                                                                        وأما الثاني : فيتيمم لها عند وجوده عندنا ومنعه الشافعي ; لأنه تيمم مع عدم شرطه وقلنا هو مخاطب بالصلاة عاجز عن الوضوء لها بفرض المسألة فيجوز التيمم ويدل له تيممه عليه الصلاة والسلام لرد السلام مع وجود الماء على ما أسلفناه خشية الفوات ; لأنه لو رد بعد التراخي لا يكون جوابا له وفيه ما تقدم من الاحتمال

                                                                                        وروى ابن عدي في الكامل بسنده عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إذا فجأتك الجنازة وأنت على غير وضوء فتيمم } ثم قال هذا مرفوعا غير محفوظ بل هو موقوف على ابن عباس ورواه ابن أبي شيبة عنه أيضا ورواه الطحاوي في شرح الآثار وكذا رواه النسائي في كتاب الكنى وروى البيهقي من طريق بجهة الدارقطني أن ابن عمر [ ص: 166 ] أتى الجنازة ، وهو على غير وضوء فتيمم وصلى عليها والحديث إذا كثرت طرقه وتعاضدت قويت فلا يضره الوقف ; لأن الصحابة كانوا تارة يرفعون وتارة لا يرفعون ولو حضرت جنازة أخرى بعد فراغه من الصلاة وخاف فوتها ففي المجمع يعيد عند محمد ولا يعيد عند أبي حنيفة وأبي يوسف وذكر المصنف في المستصفى أن الخلاف فيما إذا لم يتمكن من التوضؤ بين الصلاتين أما إذا تمكن ثم فات التمكن يعيد التيمم اتفاقا وفي الولوالجية وعليه الفتوى وذكر الحلواني أن التيمم في بلادنا لا يجوز للجنازة ; لأن الماء حول مصلى الجنازة ، وأما رواية القدوري فمطلقة كذا في معراج الدراية وفي المستصفى لا يقال إن النص ورد في الصلاة المطلقة وصلاة الجنازة ليست في معناها ; لأنا نقول : لما جاز أداء أقوى الصلاتين بأضعف الطهارتين لأن يجوز أداء أضعف الصلاتين بأضعف الطهارتين أولى .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : كصلاة الجنازة والعيد ) فيه أنهم صرحوا بأن صلاة العيد تؤخر بعذر إلى اليوم الثاني في الفطر وتكون قضاء فإذا كان كذلك كانت مما يخلفها القضاء تأمل ( قوله : وفيه ما تقدم من الاحتمال ) ، وهو ما مر عن الكمال من أنه يجوز أن يكون نوى معه ما يصح معه التيمم [ ص: 166 ] ( قوله : وفي الولوالجية وعليه الفتوى ) لم أجد هذا اللفظ في الولوالجية نعم جزم في الخانية بهذا الشرط وقال كما لو صلى وللمكتوبة صلى كان له أن يصلي به مكتوبة أخرى .




                                                                                        الخدمات العلمية