الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          باب صريح الطلاق وكنايته

                                                                                                                          وصريحه : لفظ الطلاق وما تصرف منه في الصحيح عنه ، وقال الخرقي : صريحه ثلاثة ألفاظ : الطلاق ، والفراق ، والسراح ، وما تصرف منهن ، فمتى أتى بصريح الطلاق وقع - نواه أو لم ينوه ، وإن نوى بقوله : أنت طالق من وثاق ، أو أراد أن يقول : طاهر ، فسبق لسانه ، أو أراد بقوله : مطلقة من زوج كان قبله ، لم تطلق ، وإذا ادعى ذلك ، دين ، وهل تقبل دعواه في الحكم ؛ على روايتين إلا أن يكون في حال الغضب ، أو بعد سؤالها الطلاق - فلا يقبل ، وفيما إذا قال : أردت أنها مطلقة من زوج قبلي ، وجه ثالث أنه يقبل إن كان وجد ، وإلا فلا .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          باب

                                                                                                                          صريح الطلاق وكنايته

                                                                                                                          إنما انقسم إليها; لأنه لإزالة ملك النكاح ، فكان له صريح ، وكناية كالعتق ، [ ص: 268 ] والجامع بينهما الإزالة ، فالصريح : هو الذي يفيد حكمه من غير انضمام شيء إليه ، وعكسه : الكناية ، ويدل على معنى الصريح ، وعلم منه أن الطلاق لا يقع بغير لفظ ، فلو نواه بقلبه من غير لفظ لم يقع ، خلافا لابن سيرين والزهري ، ورد بقوله عليه السلام : إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ، ما لم تعمل أو تكلم به متفق عليه; ولأنه إزالة ملك ، فلم تحصل بمجرد النية كالعتق ، وكذا إن نواه بقلبه وأشار بأصبعه ، لم يقع ، نص عليه; لأنه ليس بصريح ولا كناية .

                                                                                                                          ( وصريحه : لفظ الطلاق وما تصرف منه ) بغير أمر ومضارع ( في الصحيح عنه ) ; لأنه موضوع له على الخصوص ، ثبت له عرف الشارع والاستعمال ، فلو قال : أنت طالق ، أو الطلاق ، أو طلقتك ، أو مطلقة ، فهو صريح ، وعنه في " أنت مطلقة " : ليس بصريح; لأنه محتمل أن يريد طلاقا ماضيا ، وقيل : وطلقتك كناية ، قال في " الفروع " : فيتوجه أنه يحتمل الإنشاء والخبر ، وعلى الأول : هو إنشاء ، وذكر القاضي في مسألة الأمر : أن العقود الشرعية بلفظ الماضي إخبار ، وقال شيخنا : هذه الصيغ إنشاء من حيث إنها أثبتت الحكم وبها تم ، وهي إخبار لدلالتها على المعنى الذي في النفس ، وهذا الذي ذكره المؤلف اختاره ابن حامد ، وقدمه ابن حمدان والمجد ، وصححه في " الشرح " ، وجزم به المتأخرون; لأن الفراق والسراح يستعملان غير الطلاق كثيرا ، فلم يكونا صريحين فيه كسائر كناياته; لقوله تعالى : واعتصموا الآية [ آل عمران : 103 ] ، وما تفرق الذين أوتوا الكتاب الآية [ البينة : 4 ] وأما قوله : فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان [ البقرة : 229 ] فليس المراد به الطلاق ، إذ الآية في الرجعية ، وهي إذا قارنت انقضاء عدتها ، فإما أن يمسكها برجعة ، وإما أن تترك حتى تنقضي عدتها فتسرح ، فالمراد بالتسريح في الآية قريب من معناها اللغوي ، وهو الإرسال .

                                                                                                                          [ ص: 269 ] تنبيه : إذا كان اسمها طالقا ، فقال : يا طالق ، ولم يرد طلاقها ، أو أراد طلاقها ثلاثا ، فماتت بعد قوله : " أنت " ، يقع ، وإن ماتت بعد " طالق " وبعد قوله : ثلاثا ، وقع الثلاث ، وقيل : بل طلقة ، ذكره ابن حمدان .

                                                                                                                          فرع : إذا فتح تاء أنت ، طلقت ، خلافا لأبي بكر وأبي الوفاء ، ويتوجه على الخلاف لو قال لمن قال لها : كلما قلت لي قولا ولم أقل لك مثله ، فأنت طالق ، فقال لها مثله - طلقت ولو علقه . ولو كسر التاء ، تخلص ، وبقي معلقا ، ذكره ابن عقيل قال : وله جواب آخر بقوله بفتح التاء ، فلا يجب ، قال ابن الجوزي : وله التمادي إلى قبيل الموت ، وقيل : لا يقع شيء; لأن استثناء ذلك معلوم ، فزوجتك بفتح ونحوه يتوجه مثله ، وصححه المؤلف ، وقيل : من عامي ، وفي " الرعاية " : يصح جهلا أو عجزا ، وإلا احتمل وجهين .

                                                                                                                          ( وقال الخرقي ) وأبو بكر ، ونصره القاضي وغيره ، وفي " الواضح " اختاره الأكثر : ( صريحه ثلاثة ألفاظ : الطلاق - إجماعا ، والفراق ، والسراح ) كالطلاق لورودهما في الكتاب العزيز; لقوله تعالى : فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان [ البقرة : 229 ] ; ولقوله تعالى : فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف [ الطلاق : 2 ] وإن يتفرقا الآية; ولقوله تعالى : فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا [ الأحزاب : 28 ] ; ولأنهما فرقة بين الزوجين ، فكانا صريحين فيه كلفظ الطلاق ( وما تصرف منهن ) كالمتصرف من الطلاق ، والأول أصح; لأنه لا يصح القياس على لفظ الطلاق ، فإنه مختص بذلك سابق إلى الأفهام من غير قرينة ولا دلالة ( فمتى أتى بصريح الطلاق وقع - نواه أو لم ينوه ) بغير خلاف ، ذكره في " الشرح " ; لأن سائر الصرائح لا تفتقر إلى نية ، فكذا صريح الطلاق ، سواء كان ذلك جادا أو هازلا ، حكاه ابن المنذر إجماع من [ ص: 270 ] يحفظ عنه ، وسنده ما روى أبو هريرة مرفوعا : ثلاث جدهن جد وهزلهن جد : النكاح ، والطلاق ، والرجعة رواه أبو داود ، والترمذي ، وقال : حسن غريب .

                                                                                                                          وعنه : أن الصريح يفتقر إلى نية أو دلالة حال ، من غضب ، أو محاورة في كلام .

                                                                                                                          ( وإن نوى بقوله : أنت طالق من وثاق ) هو بكسر الواو وفتحها : ما يوثق به الشيء من حبل ونحوه ( أو أراد أن يقول : طاهر ، فسبق لسانه ) فقال : طالق; لأن ذلك جار مجرى لفظ الحاكي ( أو أراد بقوله : مطلقة من زوج كان قبله ، لم تطلق ) ; لأنه قصد عدم إيقاع طلاقها ، فوجب ألا يقع ، كما لو اتصل بكلامه : أنت طالق من وثاق ( وإذا ادعى ذلك ، دين ) باطنا; لأنه أعلم بما أراد ، ولا يمكن الاطلاع على ذلك إلا من جهته ، وعنه : كهازل على الأصح ( وهل تقبل دعواه في الحكم ) ولا قرينة ( على روايتين ) إحداهما : تقبل ، وهو ظاهر كلامه; لأنه فسر كلامه بما يحتمله احتمالا غير بعيد ، فقبل ، كما لو كرر لفظ الطلاق ، وأراد بالثانية التأكيد ، والثانية - وهي الأشهر ، وقدمها في " الرعاية " : أنه لا تقبل; لأنه خلاف ما يقتضيه الظاهر في العرف ، فلم يقبل في الحكم ، كما لو أقر بعشرة ، ثم قال : زيوفا ، أو إلى شهر ( إلا ) على الأولى ( أن يكون في حال الغضب ، أو بعد سؤالها الطلاق - فلا يقبل ) ; لأنه خالف الظاهر من جهتين : مقتضى اللفظ ، ودلالة الحال ( وفيما إذا قال : أردت أنها مطلقة من زوج قبلي وجه ثالث أنه يقبل إن كان وجد ) ; لأن كلامه يحتمل الصدق ( وإلا فلا ) أي : لا يقبل إن لم يكن وجد; لأنه لا يحتمله ، وكذا قبل لو قال : طلقتها ، ثم قال : في نكاح آخر ، وقيل : [ ص: 271 ] إن لم يرفع إلى حاكم ، فلو ادعى أنه كان هازلا ، فالأظهر أنه لا يدين هو ، ولا سكران ، كما لا يقبل منهما في الحكم .

                                                                                                                          فرع : إذا قال : أنت طالق ، ثم قال : أردت إن قمت - قبل ، وقيل : لا ، ويتوجه مثله إن علقه بشرط شهدت به بينة ، وادعى أن معه شرطا آخر ، وأوقعه في " الفنون " وغيره ; لأنه لا يقبل قول الإنسان في رد شاهدين ، كما لو أقر أنه وكيل فلان ببيع ، ثم ادعى عزلا أو خيارا .




                                                                                                                          الخدمات العلمية