الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ التنبيه ] الحادي عشر [ قرب الكفار ]

                                                      ما يقع من الكفار من القرب التي لا تحتاج إلى النية فإنها تصح كالصدقة والضيافة والعتق ، ولا يثاب على شيء في الآخرة إن مات كافرا وتوسع دنياه وإن أسلم . [ ص: 148 ]

                                                      قال النووي : الصحيح الذي عليه أكثر العلماء أنه يثاب عليها أي بدليل قوله صلى الله عليه وسلم { أسلمت على ما أسلفت من خير } قال : وأما ما يحتاج إلى النية فلا تصح منه لعدم أهليته ا هـ .

                                                      ويرد عليه المرتد إذا قلنا بوجوب الزكاة عليه فأخرجها في حال الردة ، فإنها تجزئ ، وذلك يقتضي أن الكفر لا يمنع من اعتبار النية ، فإذا أخرجها الأصلي فهلا نقول : إنه يوضع إثمها عنه في الآخرة ، ثم نقول : نية التقرب ليست بشرط وغيرها يمكن منه في الزكاة والصوم ونحوها فهلا صحت ، ولا سيما إذا صام يوما من رمضان يعتقد وجوبه لموافقته لوقت الصيام .

                                                      وقال ابن عطية : لا خلاف أن للكافر حفظة يكتبون سيئاته ، واختلف في حسناته . فقيل : ملغاة يثاب عليها بنعم الدنيا فقط ، وقيل : محصاة من أجل ثواب الدنيا ، ومن أجل أنه يسلم فيضاف ذلك إلى حسناته في الإسلام ، وهذا أحد التأويلين في قوله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام : { أسلمت على ما أسلفت من خير } . وقيل : المعنى على إسقاط ما سلف من خير إذ جوزيت بنعيم دنياك .

                                                      وقال غيره في معنى هذا الحديث : يحتمل أن يكون تركه ما سبق لك من خير ، والصحيح : الأول .

                                                      ولفظ أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا أسلم الكافر فحسن إسلامه كتب الله تعالى بكل حسنة كان زلفها ، ومحا عنه كل سيئة كان زلفها ، وكان عليه بعد الحسنة بعشر أمثالها أو لسبعمائة ضعف ، والسيئة مثلها إلا أن يجاوز الله عنه } رواه البخاري . [ ص: 149 ]

                                                      وأما المؤاخذة بما سلف في الكفر من أسباب معفو عنها بالإسلام بالاتفاق ، لقوله صلى الله عليه وسلم : { الإسلام يجب ما قبله } وقد ورد ما يشعر بخلافه ، وهو ما في الصحيحين عن ابن مسعود قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت الرجل يحسن الإسلام أيؤاخذ بما عمل في الجاهلية ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : { من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر } . قال المحب الطبري : والظاهر أنه منسوخ بما تقدم ، وقال أبو الفرج : هو محمول على وجهين : إحداهما : الإساءة في الإسلام بالشرك فإنه إذا أشرك في الإسلام عاد إلى ما كان عليه قبل الإسلام ، وهذا بعيد ، لأنا فيه تحققنا فيه الجب والهدم بالإسلام ، فلا نحكم بعوده ، وما من الله به فلا رجوع فيه .

                                                      والثاني : إذا جنى في الإسلام مثل جنايته في الكفر ، فإنه يعير بذلك ، ويقال له : هذا الذي كنت تفعله في الكفر ، فهلا منعك منه الإسلام ؟ فيكون هذا التوبيخ معنى المؤاخذة .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية