الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب العيب في الرقيق

                                                                                                          حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر باع غلاما له بثمان مائة درهم وباعه بالبراءة فقال الذي ابتاعه لعبد الله بن عمر بالغلام داء لم تسمه لي فاختصما إلى عثمان بن عفان فقال الرجل باعني عبدا وبه داء لم يسمه وقال عبد الله بعته بالبراءة فقضى عثمان بن عفان على عبد الله بن عمر أن يحلف له لقد باعه العبد وما به داء يعلمه فأبى عبد الله أن يحلف وارتجع العبد فصح عنده فباعه عبد الله بعد ذلك بألف وخمس مائة درهم قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن كل من ابتاع وليدة فحملت أو عبدا فأعتقه وكل أمر دخله الفوت حتى لا يستطاع رده فقامت البينة إنه قد كان به عيب عند الذي باعه أو علم ذلك باعتراف من البائع أو غيره فإن العبد أو الوليدة يقوم وبه العيب الذي كان به يوم اشتراه فيرد من الثمن قدر ما بين قيمته صحيحا وقيمته وبه ذلك العيب قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا في الرجل يشتري العبد ثم يظهر منه على عيب يرده منه وقد حدث به عند المشتري عيب آخر إنه إذا كان العيب الذي حدث به مفسدا مثل القطع أو العور أو ما أشبه ذلك من العيوب المفسدة فإن الذي اشترى العبد بخير النظرين إن أحب أن يوضع عنه من ثمن العبد بقدر العيب الذي كان بالعبد يوم اشتراه وضع عنه وإن أحب أن يغرم قدر ما أصاب العبد من العيب عنده ثم يرد العبد فذلك له وإن مات العبد عند الذي اشتراه أقيم العبد وبه العيب الذي كان به يوم اشتراه فينظر كم ثمنه فإن كانت قيمة العبد يوم اشتراه بغير عيب مائة دينار وقيمته يوم اشتراه وبه العيب ثمانون دينارا وضع عن المشتري ما بين القيمتين وإنما تكون القيمة يوم اشتري العبد قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن من رد وليدة من عيب وجده بها وكان قد أصابها أنها إن كانت بكرا فعليه ما نقص من ثمنها وإن كانت ثيبا فليس عليه في إصابته إياها شيء لأنه كان ضامنا لها قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا فيمن باع عبدا أو وليدة أو حيوانا بالبراءة من أهل الميراث أو غيرهم فقد برئ من كل عيب فيما باع إلا أن يكون علم في ذلك عيبا فكتمه فإن كان علم عيبا فكتمه لم تنفعه تبرئته وكان ما باع مردودا عليه قال مالك في الجارية تباع بالجاريتين ثم يوجد بإحدى الجاريتين عيب ترد منه قال تقام الجارية التي كانت قيمة الجاريتين فينظر كم ثمنها ثم تقام الجاريتان بغير العيب الذي وجد بإحداهما تقامان صحيحتين سالمتين ثم يقسم ثمن الجارية التي بيعت بالجاريتين عليهما بقدر ثمنهما حتى يقع على كل واحدة منهما حصتها من ذلك على المرتفعة بقدر ارتفاعها وعلى الأخرى بقدرها ثم ينظر إلى التي بها العيب فيرد بقدر الذي وقع عليها من تلك الحصة إن كانت كثيرة أو قليلة وإنما تكون قيمة الجاريتين عليه يوم قبضهما قال مالك في الرجل يشتري العبد فيؤاجره بالإجارة العظيمة أو الغلة القليلة ثم يجد به عيبا يرد منه إنه يرده بذلك العيب وتكون له إجارته وغلته وهذا الأمر الذي كانت عليه الجماعة ببلدنا وذلك لو أن رجلا ابتاع عبدا فبنى له دارا قيمة بنائها ثمن العبد أضعافا ثم وجد به عيبا يرد منه رده ولا يحسب للعبد عليه إجارة فيما عمل له فكذلك تكون له إجارته إذا آجره من غيره لأنه ضامن له وهذا الأمر عندنا قال مالك الأمر عندنا فيمن ابتاع رقيقا في صفقة واحدة فوجد في ذلك الرقيق عبدا مسروقا أو وجد بعبد منهم عيبا إنه ينظر فيما وجد مسروقا أو وجد به عيبا فإن كان هو وجه ذلك الرقيق أو أكثره ثمنا أو من أجله اشترى وهو الذي فيه الفضل فيما يرى الناس كان ذلك البيع مردودا كله وإن كان الذي وجد مسروقا أو وجد به العيب من ذلك الرقيق في الشيء اليسير منه ليس هو وجه ذلك الرقيق ولا من أجله اشتري ولا فيه الفضل فيما يرى الناس رد ذلك الذي وجد به العيب أو وجد مسروقا بعينه بقدر قيمته من الثمن الذي اشترى به أولئك الرقيق

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          4 - باب العيب في الرقيق

                                                                                                          1297 1285 - ( مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن سالم بن عبد الله : أن عبد الله بن عمر باع غلاما له بثمانمائة درهم وباعه بالبراءة ) من العيوب ( فقال الذي ابتاعه لعبد الله بن عمر : بالغلام داء ) بالمد ، مرض ( لم تسمه لي ، فاختصما إلى عثمان بن عفان ، فقال الرجل : باعني ) ابن عمر ( عبدا وبه داء لم يسمه لي ، وقال عبد الله بعته : بالبراءة ، فقضى عثمان على عبد الله بن عمر أن يحلف له : لقد باعه العبد وما به داء يعلمه ، فأبى عبد الله أن يحلف وارتجع العبد ، فصح ) العبد ( عنده ، فباعه عبد الله بعد ذلك بألف وخمسمائة درهم ) عوضه الله لإجلاله أن يحلف ، وإن كان صادقا ضعف ثمنه أو لا . ( قال مالك : الأمر المجتمع عليه عندنا أن كل من ابتاع وليدة فحملت ) منه ( أو عبدا فأعتقه ، وكل أمر دخله الفوت ) مصدر فات ( حتى لا يستطاع رده ) كالعتق والإيلاء المذكورين لأفاتته المقصود ( فقامت البينة ، أنه قد كان به عيب [ ص: 387 ] عند الذي باعه أو علم ذلك باعتراف من البائع أو غيره ) كشهادة ذي المعرفة بقدمه ( فإن العبد أو الوليدة يقوم وبه العيب الذي كان به يوم اشتراه فيرد ) من البائع للمشتري ( من الثمن قدر ما بين قيمته صحيحا وقيمته وبه ذلك العيب ) له ذلك على البائع ( والأمر المجتمع عليه عندنا في الرجل يشتري العبد ثم يظهر ) يطلع ( منه على عيب يرده منه ) أي يوجب له رده ( وقد حدث به عند المشتري عيب آخر إنه إن كان الذي حدث به مفسدا مثل القطع أو العور ) بفتحتين ، فقد بصر إحدى عينيه ( أو ما أشبه ذلك من العيوب المفسدة ) المتوسطة ( فإن الذي اشترى العبد بخير النظرين ) أحبهما إليه ( إن أحب أن يوضع عنه من ثمن العبد بقدر العيب الذي كان بالعبد يوم اشتراه وضع عنه ) ولزمه ( وإن أحب أن يغرم ) بفتح الراء ، يدفع ( قدر ما أصاب العبد من العيب ) الحادث ( ثم يرد العبد ، فله ذلك ) وخير المشتري دون البائع لسبق عيبه .

                                                                                                          ( وإن مات العبد عند الذي اشتراه أقيم ) أي قوم ( العبد وبه العيب الذي كان به يوم اشتراه ) وبين صفة التقويم بقوله : ( فينظر كم ثمنه ، فإن كانت قيمة العبد يوم اشتراه بغير عيب مائة دينار وقيمته يوم اشتراه وبه العيب ثمانون دينارا ، وضع عن المشتري ما بين القيمتين ) وهي العشرون في مثاله ( وإنما تكون القيمة يوم اشتري العبد ) ولو زادت أو نقصت بعده . ( والأمر المجتمع عليه عندنا : أن من رد وليدة من ) أجل ( عيب وجده [ ص: 388 ] بها ، وكان قد أصابها ) قبل علمه بالعيب ( أنها إن كانت بكرا فعليه ما نقص من ثمنها ، وإن كانت ثيبا فليس عليه في إصابتها شيء ; لأنه كان ضامنا لها ) وإصابة الثيب من الخفيف . ( والأمر المجتمع عليه عندنا فيمن باع عبدا أو وليدة أو حيوانا بالبراءة ) من العيوب سواء كان البائع ( من أهل الميراث أو غيرهم ، فقد برئ من كل عيب فيما باع ) عائد على العبد والوليدة ، قال أشهب : إنك ذكرت البراءة في الحيوان ، قال : إنما أريد العبد ونحو ذلك ، فبين مالك أن الحيوان دخل في درج الكلام ، قاله أبو عبد الملك . وقال ابن عبد البر : أفتى به مرة في سائر الحيوان ثم رجع إلى تخصيصها بالرقيق ( إلا أن يكون علم في ذلك عيبا فكتمه ، فإن كان علم عيبا فكتمه ) عن المشتري ( لم ينفعه تبرئته ، وكان ما باع مردودا عليه ) أي ثبت للمشتري رده وأعاد هذا ، وإن قدمه قريبا لنسبته لعمل المدينة فلا تكرار . ( قال مالك في الجارية تباع بالجاريتين ثم يوجد بإحدى الجاريتين عيب ترد منه ، قال : تقام ) أي تقوم ( الجارية التي كانت قيمة الجاريتين فينظر كم ثمنها ، ثم تقام ) تقوم ( الجاريتان بغير العيب الذي وجد بإحداهما تقامان صحيحتين سالمتين ، ثم يقسم ثمن الجارية التي بيعت بالجاريتين عليهما بقدر ثمنهما حتى يقع على كل واحدة منهما حصتها على المرتفعة ) التي لا عيب فيها ( بقدر ارتفاعها ) زيادتها في الثمن لعدم العيب ( وعلى الأخرى ) المعيبة ( بقدرها ، ثم ينظر إلى التي بها العيب فيرد بقدر الذي وقع عليها من تلك الحصة إن كانت كثيرة أو قليلة ) يعني لا فرق [ ص: 389 ] ( إنما يكون قيمة الجاريتين عليه يوم قبضهما . قال مالك في الرجل يشتري العبد فيؤاجره بالإجارة العظيمة أو الغلة القليلة ثم يجد به عيبا يرد منه ) أي من أجله ( إنه يرده بذلك العيب ، ويكون له إجارته وغلته ) ولو كثرت ، والتقييد بالقليلة إنما وقع في السؤال ( وذلك الأمر الذي كانت عليه الجماعة ) العلماء ( ببلدنا ) المدينة ( وذلك لو أن رجلا ابتاع عبدا فبنى له دارا قيمة بنائها ثمن العبد أضعافا ، ثم يوجد به عيب يرده منه رده ، ولا يحسب للعبد عليه إجارة ) أي أجرة ( فيما عمل له ، فكذلك يكون له إجارته إذا آجره من غيره ؛ لأنه ضامن له ) ومن عليه الغرم له الغنم ( وهذا الأمر عندنا ) بالمدينة .

                                                                                                          وقد روى أبو داود وغيره عن عائشة : أن رجلا ابتاع غلاما فأقام عنده ما شاء الله ثم وجد به عيبا ، فخاصمه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فرده عليه ، فقال الرجل : قد استغل غلامي ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : الخراج بالضمان ( والأمر عندنا فيمن ابتاع ) اشترى ( رقيقا في صفقة واحدة ) أي عقد واحد ( فوجد في ذلك الرقيق عبدا مسروقا ، أو وجد بعبد منهم عيبا ، أنه ينظر فيما وجد مسروقا أو وجد به عيبا فإن كان هو وجه ) أي أعلى وأحسن ( ذلك الرقيق أو أكثره ثمنا أو من أجله اشترى وهو الذي فيه الفضل ) الزيادة لو سلم من العيب ( فيما يرى الناس ، كان ذلك البيع مردودا كله ) ولا يجوز التمسك بالباقي بحصته من الثمن ( وإن كان الذي وجد مسروقا أو وجد به العيب من ذلك الرقيق في الشيء اليسير منه ، ليس هو وجه ذلك الرقيق ولا من أجله اشتري ولا فيه الفضل فيما يرى الناس ) [ ص: 390 ] أهل الخبرة بذلك ( رد ذلك الذي وجد به العيب أو وجد مسروقا بعينه بقدر قيمته من الثمن الذي اشترى به أولئك الرقيق ) وتمسك بالباقي بثمنه .




                                                                                                          الخدمات العلمية