الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفصل الثالث : في الكفن

                                                                                                                قال اللخمي : الكفن والدفن واجبان قولا واحدا ، والخلاف في الغسل والصلاة ، وفي الجواهر : المستحب فيه البياض ; لما في الترمذي : قال - عليه السلام - : " البسوا من ثيابكم البياض ; فإنها من خير ثيابكم ، وكفنوا فيها موتاكم " ، وفي المعصفر خلاف لمالك ، وكرهه في الكتاب ، وأما جنسه [ ص: 454 ] فكل ما يجوز لبسه للحي ، ومنع في الكتاب : الحرير للرجال والنساء ، قال في المختصر : إلا أن يضطر إليه ; لأنه إنما أبيح للنساء حالة الحياة للتجمل - وقد ذهب ، وروي جوازه للرجال والنساء ; لأن المنع كان للكبرياء وقد بطل ، وجوزه ابن حبيب للنساء دون حاجة كحالة الحياة ، وكره في الكتاب : الخز ; لأن سداه حرير . وأما عدده ; فأقله ثوب ساتر لجميع الجسد ، والثلاثة حق للميت في التركة يجبر عليها الورثة والغرماء ، وتنفذ وصيته بإسقاطها لأنها حقه ، وقال سحنون : إذا أوصى بإسقاطها فزاد بعض الورثة ثانيا فلا ضمان عليه ، وليس للغرماء والورثة منعه وإن استغرق الدين ماله ، قال أبو الطاهر : وهذا يشعر بأن الواحد منهي عنه ، وفي مسلم كفن - عليه السلام - في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة ، والكرسف القطن ، والزيادة إلى الخمسة مستحبة للرجال ، وللنساء آكد ، وإلى السبعة مباحة ، وما زاد فسرف ; فلو أوصى بسرف في العدد أو الجنس أو الحنوط أو غيره كان السداد من رأس المال ، وفي كون الزيادة تلزم من الثلث أو تسقط روايتان ، والخمسة : عمامة ، وقميص ، ومئزر ، ولفافتان سابغتان . وللمرأة : إزار ، وخمار ، ودرع ، ولفافتان ، ويستحب الشد على المئزر بعصائب من حقويها إلى ركبتيها ، قال المازري : واستحب مالك في الصغير الوتر ، وقال سحنون : يلف بخرقة ، وكره مالك وابن القاسم و ( ش ) القميص ; لأنه - عليه السلام - لم يكفن فيه ، واستحبه ( ح ) وابن القاسم أيضا ; لأنه روي في الحديث . وفي الجواهر : الثلاثة كلها لفائف قاله ابن القاسم ، وقال بعض المتأخرين : يجيء على قول مالك قميص وعمامة ولفافة ، والمرأة كالرجل ، ثم يذر [ ص: 455 ] على اللفافة حنوط ، ويوضع الميت عليه ، ويجعل قطن عليه كافور على المنافذ ، ثم يلف الكفن عليه بعد أن يبخر بالعود ، ويشد من عند رأسه ورجليه ، وقيل : يخاط ثم يحل ذلك عند الدفن ، قال المازري : مواضع الحنوط خمسة : ظاهر الجسد ، وبين الأكفان ، وعلى مساجده السبع : الجبهة ، والأنف ، والركبتين ، وأطراف أصابع الرجلين ، والمنافذ بين الفخذين والعينين والأذنين والمنخرين ، والمغابن - وهو مجتمع الوسخ كالإبطين ومراجع الركبتين ; فإن ضاق الطيب فالبداية عند ابن القاسم بالمساجد السبع ، وفي الجواهر : لو سرق كفنه بعد دفنه ، قال ابن القاسم : على ورثته تكفينه لبقاء الحاجة - وإن أحاط الدين بالتركة ; وقال أصبغ : لا يلزمهم لاستقرار حقهم بعد دفع حقه ، وقال سحنون : إن قسمت التركة فلا ، وإن أوصى بثلثه فلا يكفن من ثلث ولا غيره ، إلا أن يكون بقرب دفنه ولم يقسم المال ، ومن لا مال له كفن من بيت المال ، وكفنه على طائفة المسلمين ، كسد خلته في حياته ، وأوجب ابن القاسم الكفن على من تجب عليه النفقة في الحياة كالعبد مع السيد ، والولد مع أبيه ، والأب معه طردا للأسباب الموجبة للنفقات ، ونفاه أصبغ ; لانتفاء المنافع لاقتضاء تلك الأسباب النفقات ، واستحبه سحنون للولد على الوالد دون الوالد ; لأن النفقة للولد متأصلة ، وللوالد عارضة . قال مالك : وهو على الزوج لزوجته إن كانت معسرة ، وإلا فلا . وروي عنه يقضى عليه به مطلقا ، ونفاه ابن القاسم مطلقا ، وفي الجلاب من كفنه رهن ; فالمرتهن أحق به ; لتقدم حقه حالة الحياة ، ولا يكفن في نجس إلا أن تتعذر إزالة النجاسة عنه ، قال المازري : ينقطع الإحرام بالموت عند مالك و ( ح ) ، خلافا ( ش ) فيعطى رأس المحرم ويطيب ; لقوله - عليه السلام - : " إذا مات ابن [ ص: 456 ] آدم انقطع عمله إلا من ثلاث " . ولأنه لو بقي ، لطيف به وكملت مناسكه عملا بالموجب ، وليس كذلك ، حجته ما في مسلم : أن رجلا وقصته راحلته ، وهو محرم فمات ، فقال - عليه السلام - : " اغسلوه بماء وسدر ، وكفنوه في ثوبيه ، ولا تخمروا وجهه ولا رأسه ; فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا " - ومن طريق : " ولا تمسوه بطيب " ، وقياسا على الأعيان ، والجواب عن الأول : أنه ليس عاما بلفظه ; لأنه في شخص ، ولا بمعناه ; لأنه لم يقل : يبعث يوم القيامة ملبيا ; لأنه محرم فيكون من باب ترتيب الحكم على الوصف فيعم ; فلا يتعدى حكمه لغيره إلا بدليل ، وهو - عليه السلام - يطلع من خواص الخلق على ما لم يعلمه ; فيختص حكمه به . وعن الثاني لو صح القياس لكملت المناسك ، وإلا فلا .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية