الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

من أساليب الإقناع في القـرآن الكريم

الدكتور / معتصم بابكر مصطفى

الفصل الثاني

استمالات وأساليب الإقناع

في الرسالة الاتصالية

قال تعالى: ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) (الحجرات:13) .

من أهم الأسس النظرية التي يقوم عليها علم الاتصال المعاصر هـي: النظرية الرياضية للمعلومات (mathematical theory of Information) ، التي تعتمد على التعارف بين الأفراد والمجتمعات والحكومات. ومثلما أن الاتصال يعتمد على اللغة؛ وهو الذي يسمى: بالاتصال اللفظي ، فهناك اتصال غير لفظي يؤدي هـو الآخر دورا مهما؛ سواء كان مصاحبا ومكملا للنمط الأول أو مستقلا.

ولقد تجلى ذلك في كثير من الآيات القرآنية، كما في قول الحق تبارك وتعالى مخاطبا نساء النبي

صلى الله عليه وسلم : ( يا نساء النبي لستن كأحد [ ص: 47 ] من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا ) (الأحزاب:32) . فالخضوع هـنا بمعنى إمالة الكلام وإلانته، وهو تعبير مباشر عن نمط الاتصال غير اللفظي، الذي يستخدم خصائص ما وراء اللغة. والنهي عن تليين الكلام مرتبط بفعالية وتأثير هـذه الرسالة غير اللفظية، حتى ولو تناقضت مع ظاهر الكلام، بما تثير من توقعات وآمال عند الفساق ذوي القلوب المريضة [1] .

فالاتصال معلومات أو أوامر تبث إلى البيئة بهدف التأثير فيها، والسيطرة عليها. وتقوم العملية الاتصالية على مكونات أساس هـي: المرسل أو المصدر، ثم الرسالة، ثـم الوسيلة، فالمتلقي، ورجـع الصدى أو التأثير. مع مراعاة أن تقسيم هـذه العملية إلى مجموعة من العناصر يستهدف الشرح والتبسيط، ولا ينفي مدى التركيب والتعقيد، وعدم إمكانية الفصل بين هـذه العناصر في الواقع الحقيقي، مع التأكيد أن عملية الاتصال تتسم بالاستمرارية، وتعتمد على مجموعة من العناصر المتصلة والمتداخلة والمتشابكة مع ظروف نفسية واجتماعية [ ص: 48 ] تؤثر في النهاية على انتقال الأفكار والمعلومات بين الأفراد والجماعات.

والذي يهمنا من أركان العملية الاتصالية في هـذا الكتاب عنصر الرسالة وما هـي السمات الإقناعية لها.

فالرسالة هـي مضمون السلوك الاتصالي، فالإنسان يرسل ويستقبل كميات ضخمة ومتنوعة من الرسائل، بعضها يتسم بالخصوصية؛ مثل الحركة والإيماءة والإشارة والابتسامة والنظر. وبعضها الآخر يتسم بالعمومية؛ مثل الندوات والمحاضرات ورسائل الصحف والمجلات والراديو والتلفزيون والسينما. وبعض الرسائل يتم نقلها بقصد. ورسائل أخرى يتم التعرض لها بالمصادفة.

وكلما كان هـناك تفاعل وفهم مشترك بين المرسل والمتلقي قاد ذلك إلى فعالية الرسالة، وكلما استطاع المتلقي أن يستوفي المرسل لمزيد من الفهم، اكتسبت الرسالة فعالية أكبر [2] .

وهناك عدة أمور يجب أن نأخـذها في الاعـتبار بالنسـبة للرسالة، منها:

1 - لغة الرسالة: وهي مجموعة الحروف والكلمات التي لا تقبل التقسيم، وتهدف إلى تكوين بناء متكامل، ومجموعة من العناصر [ ص: 49 ] (مفردات اللغة) ، ومجموعة من الأساليب التي تجمع تلك العناصر في تكوين له معنى.

2 - مضمون الرسالة: وهو مادة الرسالة التي يختارها المصدر لتعبير عن أهدافه، فهو العبارات التي تقال، والمعلومات التي تقدم، والاستنتاجات التي نخرج بها، والأحكام التي نقترحها.

3 - معالجة الرسالة: تشيـر معالجة الرسـالة إلى القـرارات التي يتخذها المصدر أو المرسـل بالنسـبة للطريقة التي سيقدم بها المضمون، فالمصدر قد يختار معلومة معينة ويتجاهل معلومة أخرى، وقد يكرر الدليل الذي يحاول أن يثبت به رأيه، وقد يلخص ما يقوله في البداية أو في النهاية، ويسـتطيع المصـدر أن يذكر كل الحقائق في رسالته، وقد يترك للمتلقي مهمة تكملة الجوانب التي لم يذكرها في الرسالة، ويتخذ كل فرد القرارات التي تحقق أهدافه بأفضل شكل متاح.

وتتلخص عناصر نجاح الرسالة الإعلامية، كما يرى الدكتور محيي الدين عبد الحليم ، في الآتي [3] : [ ص: 50 ]

أ - يجب أن يراعى في الرسالة أن تهم أكبر عدد ممكن من الجماهير المستقبلة، وأن تشعر هـذه الجماهير بحاجتها لموضوع الرسالة، وأن تعالج مشاكلهم، وأن تتناول مختلف قضاياهم.

ب - يجب أن تعد الرسالة بما يتناسب والظروف الخاصة التي تحكم كل وسيلة إعلامية؛ لأن الرسالة الإذاعية تتطلب شروطا قد لا تتطلبها الرسالة الموجهة عن طريق التلفزيون، ذلك أن مستقبل الرسالة الإذاعية لا يرى الحدث بعينه، كما لا يرى المذيع الذي ينقل له ذلك الحدث، وعلى العكس من ذلك فإن مستقبل الرسالة الإعلامية المنقولة بواسطة التلفزيون يشاهد لقطات من الحدث كما يشاهد المذيع، وكذلك فإن الرسالة المطبوعة تسمح إلى حد ما بالإفاضة في شرح تفاصيل الموضوع الذي تنقله، وكذلك فإن الرسالة الشفوية تختلف عن الرسائل التي سبق ذكرها، وهذا يتطلب من المرسل أن يكون متفهما لطبيعة كل وسيلة، دارسا لأصول استخدامها في الزمان والمكان المناسبين.

ج - يجب مراعاة المستويات المختلفة للجمهور المستقبل للرسالة الإعلامية، فتوجه الرسالة باللغة التي يفهمها هـذا الجمهور ويتجاوب مع معانيها، فالرسالة الموجهة لمستويات تعليمية عليا تختلف عن [ ص: 51 ] الرسالة الموجهة لمستويات شعبية قليلة الحظ من التعليم والثقافة، وكذلك الرسالة الموجهة للجمهور المحلي الداخلي تختلف عن الرسالة الموجهة للجمهور الخارجي العالمي.

د - يجب ألا تأتي الرسالة متناقضة مع عادات المجتمع وتقاليده، ولكن يجب أن تأخذ الرسالة في اعتبارها اهتمامات الجمهور الذي توجه إليه؛ ذلك أن الفرد لا يعرض نفسه إلا للموضوعات التي يرغب في التعرض إليها فعلا، وهو ما يسمى بـ: التعرض الانتقائي ، كما أنه لا يدرك هـذه الموضوعات إلا بالشكل الذي يود إدراكها به، وهو ما يسمى بـ: الإدراك الانتقائي ، وأن معظمنا يتذكر المواد الإعلامية التي تؤيد وجهة نظره، ونحاول أن نتجاهل المعلومات المخالفة لآرائنا، وهو ما يسمى بـ: الحفظ، أو التذكر الانتقائي .

ه - يجب أن تتميز الرسالة الإعلامية بالبساطة والوضوح، وأن تستبعد منها العبارات والألفاظ المعقدة والغامضة؛ لأن الإعلام يعتمد على الكلام الواضح البسـيط، أيا كان نوع الرسالة الإعلامية الموجهة، وليست الرسالة الإعلامية الناجحة هـي التي تصاغ عباراتها بمهارة أو طلاقة لغوية فائقة، ثم تترك عالم الواقع وتحلق في أجواء الخيال. [ ص: 52 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية