الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1735 - مالك أنه بلغه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فوجد فيه أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب . فسألهما فقالا : أخرجنا الجوع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وأنا أخرجني الجوع " فذهبوا إلى أبي الهيثم بن التيهان الأنصاري ، فأمر لهم بشعير عنده يعمل ، وقام يذبح لهم شاة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نكب عن ذات الدر " فذبح لهم شاة ، واستعذب لهم ماء ، فعلق في نخلة ، ثم أتوا بذلك الطعام ، فأكلوا منه ، وشربوا من ذلك [ ص: 325 ] الماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لتسألن عن نعيم هذا اليوم " .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        39814 - قال أبو عمر : قد روي هذا الحديث مسندا من طرق كثيرة ، عن أبي هريرة ، وقد ذكرناها في " التمهيد " ، وأتمها وأكملها ما :

                                                                                                                        39815 - حدثني أبو محمد قاسم بن محمد قراءة مني عليه قال : حدثني خالد بن سعد قال حدثني محمد بن فطيس قال : حدثني محمد بن إسماعيل الصائغ بمكة قال : حدثني يحيى بن أبي بكير قال : حدثني شيبان بن عبد الرحمن عن عبد الملك بن عمير ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ساعة لا يخرج فيها ، [ ولا يلقاه فيها أحد ] ، فأتاه أبو بكر ، فقال : " ما أخرجك يا أبا بكر " فقال : خرجت للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والنظر في وجهه قال فلم يلبث أن جاء عمر ، فقال : " ما أخرجك يا عمر ؟ " قال الجوع . قال : " وأنا قد وجدت بعض الذي تجد ، انطلقوا بنا إلى أبي الهيثم بن التيهان ، وكان كثير النخل والشاء ، ولم يكن له خدم ، فأتوه ، فلم يجدوه ، [ ص: 326 ] ووجدوا امرأته ، فقالوا : " أين صاحبك ؟ " فقالت ذهب ليستعذب لنا [ الماء ] من قناة بني فلان ، ما لبث أن جاء بقربته يزغبها ، فوضعها ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جعل يلتزمه ويفديه بأبيه وأمه ، فانطلق بهم إلى ظل ، وبسط لهم بساطا ، ثم انطلق إلى نخلة ، فجاء بقنو فوضعه بين أيديهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا تنقيت لنا من رطبه ؟ " . فقال أردت أن تتخيروا من رطبه وبسره ، فأكلوا ، ثم شربوا من الماء ، فلما فرغوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا والذي نفسي بيده ، من النعيم الذي أنتم عنه مسئولون ، هذا ظل بارد ، والرطب البارد ، عليه الماء البارد " ثم انطلق يصنع لهم طعاما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تذبح ذات در " . قال : فذبح لهم عناقا ، فأكلوا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل لك من خادم ؟ " قال : لا قال [ " فإذا أتانا شيء ، أو قال سبي - فأتنا " . قال : فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسان ليس لهما ثالث ، فأتاه أبو الهيثم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذ أحدهما " فقال : يا رسول الله : خر لي أنت . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المستشار مؤتمن ، خذ هذا ، فإني رأيته يصلي ، واستوص به معروفا " . فأتى به امرأته ، فحدثها بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : ما أنت ببالغ ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه حتى تعتقه قال : هو عتيق ، فقال [ ص: 327 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ : " إن الله لم يبعث نبيا ولا خليفة إلا وله بطانتان بطانة تأمره بالمعروف ، وتنهاه عن المنكر ، وبطانة لا تألوا خبالا ، ومن يوق بطانة الشر فقد وقي " .

                                                                                                                        39816 - قال أبو عمر : في حديث مالك ، وفي هذا الحديث ما كان القوم عليه في أول الإسلام من ضيق الحال ، وشظف العيش ، وما زال الأنبياء والصالحون يجوعون مرة ، ويشبعون أخرى .

                                                                                                                        39817 - وقد تكلمنا على ما في هذا الحديث من معاني الآداب وغيرها في " التمهيد " .

                                                                                                                        39818 - وقال عبد الله بن رواحة في هذه القصة ، يمدح أبا الهيثم بن التيهان .


                                                                                                                        فلم أر كالإسلام عزا لأهله ولا مثل أضياف الأراشي معشرا نبي وصديق وفاروق أمة
                                                                                                                        وخير بني حواء فرعا وعنصرا فوافق للميقات قدر قضية
                                                                                                                        وكان قضاء الله قدرا مقدرا

                                                                                                                        [ ص: 328 ] إلى رجل نجد يباري بجوده
                                                                                                                        شموس الضحى جودا ومجدا ومفخرا وفارس خلق الله في كل غارة
                                                                                                                        إذا لبس القوم الحديد المسمرا ففدى وحيا ثم أدنى قراهم
                                                                                                                        فلم يقرهم إلا سمينا معمرا

                                                                                                                        39819 - وروينا عن مجاهد ، أنه قال في قول الله تعالى ثم لتسألن يومئذ عن النعيم [ التكاثر : 8 ] قال : كل شيء من لذة الدنيا .




                                                                                                                        الخدمات العلمية