الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              المطلب الثالث: أقسام الوقف:

              لم يرد عند الفقهاء تمييز لأنواع الوقف، خصوصا بين ما وقف على الذرية وما وقف على غيرهم في جهات البر. واصطلح على جميع أشكاله تسمية الوقف أو الحبس أو الصدقة [1] . إلا أن المتأخرين قسموا الأوقاف على أقسام مختلفة ولاعتبارات متباينة:

              أولا: أقسام الوقف من حيث استحقاق منفعته أو (باعتبار الموقوف عليهم) :

              1- الوقف الأهلي أو الذري:

              والمراد به ما كان نفعه خاصا منحصرا على ذرية الواقف ومن بعدهم، على جهة بر لا تنقطع، وبمثله وقف الزبير، رضي الله عنه: «فإنه جعل دوره صدقة، وقال للمردودة من بناته أن تسكن غير مضر ولا مضر بها، فإن امتنعت بزوج فلا شيء لها» [2] .

              والوقف الأهلي فيه من النفـع ما لا يخفى على أحد، فهو نفع دائم على مر الزمان، ينتفع به أولاد الواقف وأحفاده طبقة بعد طبقة وجيلا بعد جيل، تدر عليهم الأعيان الموقوفة بغلات سنوية. ولا فرق في الوقف الأهلي أن يكون الموقوف عليهم أقاربا أو أرحاما أو غيرهم. وقد جرى على هذا [ ص: 41 ] النوع من الوقف تضييق من قبل الأنظمة المعاصرة خصوصا مع بدايات القرن الرابع عشر الهجري، وحتى وصل الأمر في بعض الأحيان إلى إلغائه [3] .

              2- الوقف الخيري:

              وهو ما جعله الواقف ابتداء على جهة من جهات البر، فلا يعود نفع الوقف لمعين.

              3- الوقف الخيري الأهلي [4] :

              وهو ما كان بعضه أهليا وبعضه خيريا وله صورتان:

              الأولى: أن يشترط الواقف إنفاق ثلث المال من غلة الدار الموقوفة على حلقات تحفيظ القرآن مثـلا، والباقي من الغلة ينفق على أولاده ثم على أولاد أولاده.

              الثانية: أن يشترط الواقف أن ينفق من غـلة الدار الموقوفة ألف ريال، أو مبلغا معينا والباقي يدفع لأولاده قل أو كثر.

              أما لو جعل الواقف ابتداء داره وقفا على نفسه ثم من بعده على أولاده ثم من بعدهم على دور تحفيظ القرآن الكريم، فهنا يكون الوقف أهليا.

              ولو جعل هذه الدار ابتداء وقفا على تحفيظ القرآن لمدة خمس سنوات ثم بعد انقضائها وقفا عليه مدة حياته ثم من بعده على أولاده فهنا يكون الوقف خيريا؛ فالذي يحدد نوع الوقف هي الجهة الموقوف عليها أول الأمر. [ ص: 42 ]

              ثانيا: أنواع الوقف حسب نوع الإدارة [5] :

              1- أوقاف تدار من قبل الواقف نفسه، أو أحد من ذريته من بعده، يحدد وصفه الواقف.

              2- أوقاف تدار من قبل المشرف على الجهات المستفيدة، كأن يذكر الواقف في حجة وقفه أن يدار الوقف من قبل إمام المسجد الذي تنفق عليه خيرات الوقف.

              3- أوقاف تدار من قبل القضاء: وهي تلك الأوقاف التي فقدت وثائق إنشائها، فلم يعرف شكل للإدارة مما اختاره الواقف لها؛ أو أوقاف تخضع للإدارة الحكومية وهي تلك الأوقاف التي باتت خاضعة لسلطة الحكومة، وذلك في العصور المتأخرة، وخاصة بعد صدور قانون إنشاء وزارة للأوقاف في الدولة العثمانية منتصف القرن التاسع عشر.

              ثالثا: أنواع الوقف بحسب المضمون الاقتصادي [6] :

              حيث تقسم إلى:

              1- الأوقاف المباشرة:

              وهي تلك الأوقاف التي تقدم مباشرة خدماتها للموقوف عليهم، مثل وقف المسجد الذي يوفر مكانا للصلاة، ووقف المدرسة الذي يوفر مكانا [ ص: 43 ] لدراسة التلاميذ. وهذه الخدمات المباشرة تمثل الإنتاج الفعلي، أو المنافع الفعلية لأعيان الأموال الوقفية نفسها. وتمثل الأموال الوقفية بالنسبة لهذه المنافع الأصول الإنتاجية الثابتة المتراكمة من جيل إلى جيل.

              2- الأوقاف الاستثمارية:

              وهي تلك الأوقاف الموقـوفة على استثمـارات صنـاعية أو زراعية أو تجارية أو خدمية والتي لا تقصد بالوقف لذواتها، وإنما يقصد منها إنتاج عائد إيرادي صاف يتم صرفه على أغراض الوقف. فالأملاك الاستثمارية في هذه الحالة يمكن أن تنتج أي سلعة أو خدمة مباحة تباع لطالبيها في السوق، وتستعمل إيراداتها الصافية في الإنفاق على غرض الوقف.

              رابعا: تنوع الوقف من حيث أنواع الأموال الموقوفة:

              الوقف حسب نوع الأموال الموقوفة إما عقار أو منقول.

              وقد ذكر صاحب الذخيرة أن الحبس ثلاثة أقسام [7] :

              1- الأرض ونحوها، كالديار والحوانيت والحوائط والمساجد والمصانع والمقابر والطرق، فيجوز.

              2- الحيوان كالعبد والخيل والبقر.

              3- السلاح والدروع، وفيها أربعة أقوال، الجواز والمنع وجواز الخيل خاصة، والكراهة في الرقيق إذ تحبيسه يعطل إمكان تحريره. [ ص: 44 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية