الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4702 (20) باب لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا والتغليظ على من لعن بهيمة

                                                                                              [ 2503 ] عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا" .

                                                                                              رواه مسلم (2597).

                                                                                              [ 2504 ] وعن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يكون اللعانون شفعاء، ولا شهداء يوم القيامة" .

                                                                                              رواه مسلم (2598) (85 - 86)، وأبو داود (4907).

                                                                                              [ ص: 579 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 579 ] (20) ومن باب قوله : لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا

                                                                                              قد تقدم : أن أصل اللعن : الطرد والبعد ، وهو في الشرع : البعد عن رحمة الله تعالى وثوابه إلى نار الله وعقابه ، وأن لعن المؤمن كبيرة من الكبائر ؛ إذ قد قال صلى الله عليه وسلم : " لعن المؤمن كقتله " .

                                                                                              و (قوله : " لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا ") صديق : فعيل : وهو الكثير الصدق والتصديق ، كما قد تقرر في صفة أبي بكر - رضي الله عنه - واللعان : الكثير اللعن . ومعنى هذا الحديث : أن من كان صادقا في أقواله وأفعاله مصدقا بمعنى اللعنة الشرعية ، لم تكن كثرة اللعن من خلقه ، لأنه إذا لعن من لا يستحق اللعنة الشرعية ، فقد دعا عليه بأن يبعد من رحمة الله وجنته ، ويدخل في ناره وسخطه . والإكثار من هذا يناقض أوصاف الصديقين ، فإن من أعظم صفاتهم الشفقة والرحمة للحيوان مطلقا ، وخصوصا بني آدم ، وخصوصا المؤمن ؛ فإن المؤمنين كالجسد الواحد ، وكالبنيان لما تقدم ، فكيف يليق أن يدعى عليهم باللعنة التي معناها الهلاك والخلود في نار الآخرة . فمن كثر منه اللعن فقد سلب منصب [ ص: 580 ] الصديقية ، ومن سلبه فقد سلب منصب الشفاعة والشهادة الأخروية ، كما قال : " لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة " . وإنما خص اللعان بالذكر ولم يقل : اللاعن ، لأن الصديق قد يلعن من أمره الشرع بلعنه ، وقد يقع منه اللعن فلتة وندرة ، ثم يراجع ، وذلك لا يخرجه عن الصديقية ، ولا يفهم من نسبتنا الصديقية لغير أبي بكر ، مساواة غير أبي بكر لأبي بكر - رضي الله عنه - في صديقيته ؛ فإن ذلك باطل بما قد علم أن أبا بكر - رضي الله عنه - أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على ما تقدم ، لكن المؤمنون الذين ليسوا بلعانين لهم حظ من تلك الصديقية ، ثم هم متفاوتون فيها على حسب ما قسم لهم منها ، والله تعالى أعلم .




                                                                                              الخدمات العلمية