الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4798 (8) باب تصريف الله تعالى القلوب وكتب على ابن آدم حظه من الزنا

                                                                                              [ 2583 ] عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد يصرفه حيث يشاء" ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك" .

                                                                                              رواه أحمد ( 2 \ 168 )، ومسلم (2654).

                                                                                              [ ص: 672 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 672 ] (8) ومن باب : تصريف الله تعالى القلوب

                                                                                              وكتب على ابن آدم حظه من الزنا

                                                                                              (قوله : " قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد ، يصرفه كيف يشاء ") ظاهر الإصبع محال على الله تعالى قطعا لما قلناه آنفا ، ولأنه لو كانت له أعضاء وجوارح ؛ لكان كل جزء منه مفتقرا للآخر ، فتكون جملته محتاجة ، وذلك يناقض الإلهية ، وقد تأول بعض أئمتنا هذا الحديث فقال : هذا استعارة جارية مجرى قولهم : فلان في كفي ، وفي قبضتي . يراد به أنه متمكن من التصرف فيه والتصريف له ، كيف شاء ، وأمكن من ذلك في المعنى ، مع إفادة التيسير أن يقال : فلان بين إصبعي ، أصرفه كيف شئت . يعني : أن التصرف متيسر عليه غير متعذر . وقال بعضهم : يحتمل أن يريد بالإصبع هنا النعمة . وحكي أنه يقال : لفلان عندي إصبع حسنة ، أي : نعمة . كما قيل في اليد . فإن قيل : فلأي شيء ثنى الإصبع ، ونعمه كثيرة لا تحصى؟ قلنا : لأن النعم وإن كانت كذلك ، فهي قسمان : نفع ودفع ، فكأنه قال : قلوب بني آدم بين أن يصرف الله عنها ضرا ، وبين أن يوصل إليها نفعا .

                                                                                              [ ص: 673 ] قلت : وهذا لا يتم حتى يقال : إن بني آدم - هنا - يراد بهم الصالحون الذين تولى الله حفظ قلوبهم . وأما الكفار والفساق ، فقد أوصل الله تعالى إلى قلوبهم ما شاءه وبهم من الطبع والختم والرين ، وغير ذلك . وحينئذ يخرج الحديث عن مقصوده ، فالتأويل الأول أولى ، وقد قلنا : إن التسليم الطريق السليم .

                                                                                              و (قوله : " اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك ") هذا الكلام يعضد ذلك التأويل الأول ، وقد وقع هذا الحديث في غير كتاب مسلم فقال : " يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك " . وهما بمعنى واحد ؛ وحاصله : أن أحوال القلوب منتقلة غير ثابتة ولا دائمة . فحق العاقل أن يحذر على قلبه من قلبه ، ويفرغ إلى ربه في حفظه .




                                                                                              الخدمات العلمية