الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7284 ) مسألة : قال : ( فإن عاد ، حبس ، ولا يقطع غير يد ورجل ) يعني إذا عاد فسرق بعد قطع يده ورجله ، لم يقطع منه شيء آخر وحبس . وبهذا قال علي رضي الله عنه والحسن ، والشعبي ، والنخعي ، والزهري ، وحماد ، والثوري ، وأصحاب الرأي . وعن أحمد ، أنه تقطع في الثالثة يده اليسرى ، وفي الرابعة رجله اليمنى ، وفي الخامسة يعزر ويحبس .

                                                                                                                                            وروي عن أبي بكر ، وعمر رضي الله عنهما ، أنهما قطعا يد أقطع اليد والرجل . وهذا قول قتادة ، ومالك ، والشافعي ، وأبي ثور ، وابن المنذر . وروي عن عثمان ، وعمرو بن العاص ، وعمر بن عبد العزيز أنه تقطع يده اليسرى في الثالثة ، والرجل اليمنى في الرابعة ، ويقتل في الخامسة ; لأن جابرا قال : { جيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بسارق ، فقال : اقتلوه . فقالوا : يا رسول الله ، إنما سرق . فقال : اقطعوه . قال : فقطع ، ثم جيء به الثانية ، فقال : اقتلوه . قالوا : يا رسول الله ، إنما سرق . قال : اقطعوه فقطع ، ثم جيء به الثالثة ، فقال : اقتلوه . فقالوا : يا رسول الله ، إنما سرق . قال : اقطعوه . قال : ثم أتي به الرابعة ، فقال : اقتلوه . قالوا : يا رسول الله ، إنما سرق . قال : اقطعوه . ثم أتي به الخامسة ، قال : اقتلوه . قال : فانطلقنا به ، فقتلناه ، ثم اجتررناه فألقيناه في بئر } . رواه أبو داود . وعن أبي هريرة رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في السارق : وإن سرق فاقطعوا يده ، ثم إن سرق فاقطعوا رجله ، ثم إن سرق فاقطعوا يده ، ثم إن سرق فاقطعوا رجله } . ولأن اليسار تقطع قودا ، فجاز قطعها في السرقة ، كاليمنى ; ولأنه فعل أبي بكر ، وعمر رضي الله عنهما

                                                                                                                                            وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : { اقتدوا بالذين من بعدي ; أبي بكر وعمر } . ولنا ما روى سعيد ، حدثنا أبو معشر ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبيه ، قال : حضرت علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه أتي برجل مقطوع اليد والرجل قد سرق ، فقال لأصحابه : ما ترون في هذا ؟ . قالوا : اقطعه يا أمير المؤمنين . قال قتلته إذا ، وما عليه القتل ، بأي شيء يأكل الطعام ؟ بأي شيء يتوضأ للصلاة ؟ بأي شيء يغتسل من جنابته ؟ بأي شيء يقوم على حاجته ؟ فرده إلى السجن أياما ، ثم أخرجه ، فاستشار أصحابه ، فقالوا مثل قولهم الأول ، وقال لهم مثل ما قال أول مرة ، فجلده جلدا شديدا ، ثم أرسله . وروي عنه ، أنه قال : إني لأستحي من الله أن لا أدع له يدا يبطش بها ، ولا رجلا يمشي عليها . ولأن في قطع اليدين تفويت منفعة الجنس ، فلم يشرع في حد ، كالقتل ; ولأنه لو جاز قطع اليدين ، لقطعت اليسرى في المرة الثانية ; لأنها آلة البطش كاليمنى ، وإنما لم تقطع للمفسدة في قطعها ; لأن ذلك بمنزلة الإهلاك ، فإنه لا يمكنه أن يتوضأ ، ولا يغتسل ، ولا يستنجي ، ولا يحترز من نجاسة ، ولا يزيلها عنه ، ولا يدفع عن نفسه ، ولا يأكل ، ولا [ ص: 110 ] يبطش ، وهذه المفسدة حاصلة بقطعها في المرة الثالثة ، فوجب أن يمنع قطعها ، كما منعه في المرة الثانية .

                                                                                                                                            وأما حديث جابر ، ففي حق شخص استحق القتل ، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به في أول مرة ، وفي كل مرة ، وفعل ذلك في الخامسة . ورواه النسائي ، وقال : حديث منكر .

                                                                                                                                            وأما الحديث الآخر ، وفعل أبي بكر وعمر : فقد عارضه قول علي . وقد روي عن عمر أنه رجع إلى قول علي .

                                                                                                                                            فروى سعيد ، حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك بن حرب ، عن عبد الرحمن بن عابد ، قال : أتي عمر برجل أقطع اليد والرجل قد سرق ، فأمر به عمر أن تقطع رجله ، فقال علي : إنما قال الله تعالى : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا } الآية . وقد قطعت يد هذا ورجله ، فلا ينبغي أن تقطع رجله فتدعه ليس له قائمة يمشي عليها ، إما أن تعزره ، وإما أن تستودعه السجن . فاستودعه السجن .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية