الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7308 ) مسألة ; قال : ( ولا يقطع إلا بشهادة عدلين ، أو اعتراف مرتين ) وجملة ذلك أن القطع إنما يجب بأحد أمرين ; بينة ، أو إقرار ، لا غير ، فأما البينة ، فيشترط فيها أن يكونا رجلين مسلمين حرين عدلين ، سواء كان السارق مسلما أو ذميا ، وقد ذكرنا ذلك في الشهادة في الزنا بما أغنى عن إعادته هاهنا ، ويشترط أن يصفا السرقة والحرز ، وجنس النصاب ، وقدره ، ليزول الاختلاف فيه ، فيقولان : نشهد أن هذا سرق كذا ، قيمته كذا ، من حرز . ويصفان الحرز . وإن كان المسروق منه غائبا ، فحضر وكيله ، وطالب بالسرقة ، احتاج الشاهدان أن يرفعا في نسبه ، فيقولان : من حرز فلان بن فلان بن فلان ، بحيث يتميز من غيره ، فإذا اجتمعت هذه الشروط ، وجب القطع في قول عامتهم . قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم ، على أن قطع السارق يجب ، إذا شهد بالسرقة شاهدان حران مسلمان ، ووصفا ما يوجب القطع .

                                                                                                                                            وإذا وجب القطع بشهادتهما ، لم يسقط بغيبتهما ، ولا موتهما ، على ما مضى في الشهادة بالزنا . وإذا شهدا بسرقة مال غائب ، فإن كان له وكيل حاضر ، فطالب به ، قطع السارق ، وإلا فلا .

                                                                                                                                            ( 7309 ) فصل : وإذا اختلف الشاهدان في الوقت ، أو المكان ، أو المسروق ، فشهد أحدهما أنه سرق يوم الخميس ، والآخر أنه سرق يوم الجمعة ، أو شهد أحدهما أنه سرق من هذا البيت ، وشهد الآخر أنه سرق من هذا البيت ، أو قال أحدهما : سرق ثورا . وقال الآخر : سرق بقرة . أو قال : سرق ثورا . وقال الآخر : سرق حمارا . لم يقطع . في قولهم جميعا . وبه قال الشافعي ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                            وإن قال أحدهما : سرق ثوبا أبيض . وقال الآخر : أسود . أو قال أحدهما : سرق هرويا . فقال الآخر : مرويا . لم يقطع أيضا . وبه قال الشافعي ، وأبو ثور ، وابن المنذر ; لأنهما لم يتفقا على الشهادة بشيء واحد ، فأشبه ما لو اختلفا في الذكورية والأنوثية . وقال أبو الخطاب : يقطع . وهو قول أبي حنيفة ، وأصحاب الرأي ; لأن الاختلاف لم يرجع إلى نفس الشهادة ، ويحتمل أن أحدهما [ ص: 119 ] غلب على ظنه أنه هروي ، والآخر أنه مروي ، أو كان الثوب فيه سواد وبياض . قال ابن المنذر : اللون أقرب إلى الظهور من الذكورية والأنوثية ، فإذا كان اختلافهما فيما يخفى يبطل شهادتهما ، ففيما يظهر أولى .

                                                                                                                                            ويحتمل أن أحدهما ظن المسروق ذكرا ، وظنه الآخر أنثى ، وقد أوجب هذا رد شهادتهما ، فكذلك هاهنا . الثاني : الاعتراف ، ويشترط فيه أن يعترف مرتين روي ذلك عن علي رضي الله عنه . وبه قال ابن أبي ليلى ، وأبو يوسف ، وزفر ، وابن شبرمة . وقال عطاء ، والثوري ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، ومحمد بن الحسن : يقطع باعتراف مرة ; لأنه حق يثبت بالإقرار ، فلم يعتبر فيه التكرار ، كحق الآدمي . ولنا ما روى أبو داود ، بإسناده عن أبي أمية المخزومي { ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلص قد اعترف ، فقال له : ما إخالك سرقت . قال : بلى . فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا ، فأمر به ، فقطع } . ولو وجب القطع بأول مرة ، لما أخره . وروى سعيد ، عن هشيم ، وسفيان ، وأبي الأحوص ، وأبي معاوية عن الأعمش ، عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه ، قال شهدت عليا ، وأتاه رجل ، فأقر بالسرقة ، فرده ، وفي لفظ : فانتهره . وفي لفظ : فسكت عنه . وقال غير هؤلاء : فطرده . ثم عاد بعد ذلك ، فأقر ، فقال له علي : شهدت على نفسك مرتين . فأمر به ، فقطع ، وفي لفظ : قد أقررت على نفسك مرتين . ومثل هذا يشتهر ، فلم ينكر .

                                                                                                                                            ولأنه يتضمن إتلافا في حد ، فكان من شرطه التكرار ، كحد الزنا . ولأنه أحد حجتي القطع ، فيعتبر فيه التكرار ، كالشهادة . وقياسهم ينتقض بحد الزنا عند من اعتبر التكرار ، ويفارق حق الآدمي ; لأن حقه مبني على الشح ، والتضييق ، ولا يقبل رجوعه عنه ، بخلاف مسألتنا . ( 7310 ) فصل : ويعتبر أن يذكر في إقراره شروط السرقة ، من النصاب والحرز ، وإخراجه منه ( 7311 ) فصل : والحر والعبد في هذا سواء . نص عليه أحمد ; وذلك لعموم النص فيهما ، ولما روى الأعمش ، عن القاسم ، عن أبيه ، : أن عليا قطع عبدا أقر عنده بالسرقة .

                                                                                                                                            وفي رواية قال : كان عبدا . يعني الذي قطعه علي . ويعتبر أن يقر مرتين . وروى مهنا ، عن أحمد : إذا أقر العبد أربع مرات أنه سرق ، قطع . وظاهر هذا أنه اعتبر إقراره أربع مرات ، ليكون على النصف من الحر . والأول أصح ; لخبر علي ; ولأنه إقرار بحد ، فاستوى في عدده الحر والعبد ، كسائر الحدود .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية