الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الثامنة : قوله تعالى : { فمن اضطر } .

                                                                                                                                                                                                              وتصريفه افتعل من الضرر ، كقوله : افتتن من الفتنة ، أي : أدركه ضرر ، ووجد به ، وقد تكلمنا في حقيقة الضرر والمضطر في كتاب " المشكلين " بما فيه كفاية .

                                                                                                                                                                                                              بيانه : أن الضرر هو الألم الذي لا نفع فيه يوازيه أو يربي عليه ، وهو نقيض النفع ، وهو الذي لا ضرر فيه ; ولهذا لم يوصف شرب الأدوية الكريهة والعبادات الشاقة بالضرر ، لما في ذلك من النفع الموازي له أو المربي عليه ، وحققنا أن المضطر هو المكلف بالشيء الملجأ إليه ، المكره عليه ، ولا يتحقق اسم المكره إلا لمن قدر على الشيء ، ومن خلق الله فيه فعلا لم يكن له عليه قدرة ، كالمرتعش والمحموم ، لا يسمى مضطرا ولا ملجأ ، وأشرنا إلى أنه قد يكون عند علمائنا المضطر ، وقد يكون [ المضطر ] المحتاج ، ولكن الملجأ مضطر حقيقة ، والمحتاج مضطر مجازا .

                                                                                                                                                                                                              وقال الجبائي وابنه : إن المضطر هو الذي فعل فيه غيره فعلا ، وهذا تنازع [ ص: 82 ] يرجع إلى اللفظ وما ذهبنا إليه هو اللغة ، وهو المعروف عند العرب ، والمراد في كتاب الله تعالى بقوله : { فمن اضطر } : أي خاف التلف ، فسماه مضطرا ، وهو قادر على التناول .

                                                                                                                                                                                                              ويرد المضطر في اللغة على معنيين : أحدهما : مكتسب الضرر ، والثاني مكتسب دفعه ، كالإعجام يرد بمعنى الإفهام وبمعنى نفيه ، فالسلطان يضطره أي يلجئه للضرر ، والمضطر يبيع منزله ، أي يدفع الضرر الذي يلحقه بامتناعه من بيع ماله .

                                                                                                                                                                                                              وكلا المعنيين موجود في مسألتنا فإنه مضطر بما أدركه من ألم الجوع ، مضطر بدفعه ذلك عن نفسه بتناول الميتة ; وهو بالمعنى الأول مشروط ، وبالمعنى الثاني مأمور .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية