الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة وقال عبد الله بن زيد وأبو هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار وقال أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب

                                                                                                                                                                                                        3684 حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا الأعمش قال سمعت أبا وائل يقول عدنا خبابا فقال هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نريد وجه الله فوقع أجرنا على الله فمنا من مضى لم يأخذ من أجره شيئا منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد وترك نمرة فكنا إذا غطينا بها رأسه بدت رجلاه وإذا غطينا رجليه بدا رأسه فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغطي رأسه ونجعل على رجليه شيئا من إذخر ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها [ ص: 267 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 267 ] " 5833 " [ ص: 268 ] قوله : ( باب هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى المدينة ) أما النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاء عن ابن عباس أنه أذن له في الهجرة إلى المدينة بقوله تعالى : وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا أخرجه الترمذي وصححه هو والحاكم . وذكر الحاكم أن خروجه - صلى الله عليه وسلم - من مكة كان بعد بيعة العقبة بثلاثة أشهر أو قريبا منها ، وجزم ابن إسحاق بأنه خرج أول يوم من ربيع الأول ، فعلى هذا يكون بعد البيعة بشهرين وبضعة عشر يوما ، وكذا جزم به الأموي في المغازي عن ابن إسحاق فقال : كان مخرجه من مكة بعد العقبة بشهرين وليال ، قال : وخرج لهلال ربيع الأول وقدم المدينة لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول . قلت : وعلى هذا خرج يوم الخميس ، وأما أصحابه فتوجه معه منهم أبو بكر الصديق وعامر بن فهيرة ، وتوجه قبل ذلك بين العقبتين جماعة منهم ابن أم مكتوم .

                                                                                                                                                                                                        ويقال : إن أول من هاجر إلى المدينة أبو سلمة بن عبد الأشهل المخزومي زوج أم سلمة ، وذلك أنه أوذي لما رجع من الحبشة ، فعزم على الرجوع إليها ، فبلغه قصة الاثني عشر من الأنصار فتوجه إلى المدينة ، ذكر ذلك ابن إسحاق ، وأسند عن أم سلمة أن أبا سلمة أخذها معه فردها قومها فحبسوها سنة ، ثم انطلقت فتوجهت في قصة طويلة وفيها " فقدم أبو سلمة المدينة بكرة ، وقدم بعده عامر بن ربيعة حليف بني عدي عشية " ثم توجه مصعب بن عمير كما تقدم آنفا ليفقه من أسلم من الأنصار ، ثم كان أول من هاجر بعد بيعة العقبة عامر بن ربيعة حليف بني عدي على ما ذكر ابن إسحاق ، وسيأتي ما يخالفه في الباب الذي يليه وهو قول البراء : " أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير " إلخ توجه باقي الصحابة شيئا فشيئا كما سيأتي في الباب الذي يليه . ثم لما توجه النبي - صلى الله عليه وسلم - واستقر بها خرج من بقي من المسلمين ، وكان المشركون يمنعون من قدروا على منعه منهم ، فكان أكثرهم يخرج سرا إلى أن لم يبق منهم بمكة إلا من غلب على أمره من المستضعفين ، ثم ذكر المصنف في الباب أحاديث ، الأول والثاني :

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال عبد الله بن زيد وأبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لولا الهجرة لكنت امرأ من [ ص: 269 ] الأنصار ) أما حديث عبد الله بن زيد فيأتي موصولا في غزوة حنين ، وأما حديث أبي هريرة فتقدم موصولا في مناقب الأنصار ، وقوله : " من الأنصار " أي كنت أنصاريا صرفا فما كان لي مانع من الإقامة بمكة ، لكنني اتصفت بصفة الهجرة ، والمهاجر لا يقيم بالبلد الذي هاجر منها مستوطنا ، فينبغي أن يحصل لكم الطمأنينة بأني لا أتحول عنكم ، وذلك أنه إنما قال لهم ذلك في جواب قولهم : أما الرجل فقد أحب الإقامة بموطنه ، وسيأتي لذلك مزيد في غزوة حنين إن شاء الله تعالى . الحديث الثالث .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال أبو موسى إلخ ) يأتي شرحه مستوفى في غزوة أحد ، وقوله فيه : " فذهب وهلي " بفتح الواو والهاء أي ظني ، يقال : وهل بالفتح يهل بالكسر وهلا بالسكون إذا ظن شيئا فتبين الأمر بخلافه ، وقوله : " أو هجر " بفتح الهاء والجيم بلد معروف من البحرين وهي من مساكن عبد القيس ، وقد سبقوا غيرهم من القرى إلى الإسلام كما سبق بيانه في كتاب الإيمان . ووقع في بعض نسخ أبي ذر " أو الهجر " بزيادة ألف ولام والأول أشهر ، وزعم بعض الشراح أن المراد بهجر هنا قرية قريبة من المدينة ، وهو خطأ فإن الذي يناسب أن يهاجر إليه لا بد وأن يكون بلدا كبيرا كثير الأهل ، وهذه القرية التي قيل : إنها كانت قرب المدينة يقال لها : هجر لا يعرفها أحد ، وإنما زعم ذلك بعض الناس في قوله : " قلال هجر " أن المراد بها قرية كانت قرب المدينة كان يصنع بها القلال ، وزعم آخرون بأن المراد بها هجر التي بالبحرين كأن القلال كانت تعمل بها وتجلب إلى المدينة وعملت بالمدينة على مثالها ، وأفاد ياقوت أن هجر أيضا بلد باليمن ، فهذا أولى بالتردد بينها وبين اليمامة ؛ لأن اليمامة بين مكة واليمن ، وقوله : " فإذا هي المدينة يثرب " كان ذلك قبل أن يسميها - صلى الله عليه وسلم - طيبة ، ووقع عند البيهقي من حديث صهيب رفعه أريت دار هجرتكم سبخة بين ظهراني حرتين ، فإما أن تكون هجر أو يثرب ولم يذكر اليمامة ، وللترمذي من حديث جرير قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله تعالى أوحى إلي أي هؤلاء الثلاثة نزلت فهي دار هجرتك : المدينة أو البحرين أو قنسرين استغربه الترمذي ، وفي ثبوته نظر ؛ لأنه مخالف لما في الصحيح من ذكر اليمامة ؛ لأن قنسرين من أرض الشام من جهة حلب ، وهي بكسر القاف وفتح النون الثقيلة بعدها مهملة ساكنة ، بخلاف اليمامة فإنها إلى جهة اليمن ، إلا إن حمل على اختلاف المأخذ فإن الأول جرى على مقتضى الرؤيا التي أريها ، والثاني يخير بالوحي ، فيحتمل أن يكون أري أولا ثم خير ثانيا فاختار المدينة .

                                                                                                                                                                                                        الحديث الرابع حديث خباب " هاجرنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم " أي بإذنه ، وإلا فلم يرافق النبي - صلى الله عليه وسلم - سوى أبي بكر وعامر بن فهيرة كما تقدم ، وقد أعاد المصنف هذا الحديث في هذا الباب ، وستأتي الإشارة إليه بعد بضعة عشر حديثا ، وسيأتي شرح هذا الحديث مستوفى في كتاب الرقاق ، ومضى شيء منه في كتاب الجنائز .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية