الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( الرابع ) من أركانها ( القراءة ) للفاتحة كما سيأتي ( ويسن بعد التحرم ) أي عقبه ولو للنفل ( دعاء الافتتاح ) لمنفرد وإمام ومأموم تمكن منه بأن أدرك إمامه في القيام دون الاعتدال وأمن فوت الصلاة أو الأداء وقد شرع فيها وفي وقتها ما يسع جميعها ، أو غلب على [ ص: 473 ] ظنه أنه مع اشتغاله به يدرك الفاتحة قبل ركوع إمامه ، ومحل ذلك في غير الجنازة ولو على قبر أو غائب كما اقتضاه إطلاقهم خلافا لابن العماد كما سيأتي فيها ، ويأتي به سرا إن لم يتعوذ أو يدرك إمامه في غير القيام وإن أمن لتأمينه ، وهو وجهت وجهي : أي قصدت بعبادتي للذي فطر السموات والأرض أي أبدعهما على غير مثال سبق ، حنيفا : أي مائلا عن كل الأديان إلى دين الإسلام مسلما : أي منقادا إلى الأوامر والنواهي ، وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين .

                                                                                                                            لما صح من أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك . وفي رواية : وأنا أول المسلمين .

                                                                                                                            وكان صلى الله عليه وسلم يأتي بها تارة لأنه أول مسلمي هذه الأمة فلا يقولها غيره . ومعلوم أن المرأة تأتي بجميع ذلك بألفاظه المذكورة للتغليب الشائع لغة واستعمالا ، وإرادة الشخص في نحو حنيفا محافظة على لفظ الوارد ، فاندفع بذلك قول من قال : إن القياس [ ص: 474 ] مراعاة صيغة التأنيث .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : لما سيأتي ) أي في قول المصنف وتتعين الفاتحة ( قوله : ويسن ) قال حج : وقيل يجب ( قوله : بعد التحرم ) لعل تعبيره ببعد للتنبيه على أنه لا يفوت بالتأخير حيث لم يشتغل بغيره ، وعليه فتفسير الشارح بالعقب للدلالة على أنه يستحب المبادرة به عقب التحرم وإن لم يفت بالتأخير ، ثم رأيت سم على منهج قال : قوله عقب التحرم انظر التعبير بعقب فإن مقتضاه الفوات إذا طال الفصل ، وقد يتجه عدم الفوات مطلقا فليراجع ( قوله : تمكن منه ) أي ولو مع سماع قراءة إمامه كما سيأتي ( قوله : بأن أدرك إمامه في القيام ) خرج به ما لو أدركه في غيره ، ومنه الجلوس في التشهد الأول ، فلا يأتي به بعد التحرم ولا بعد قيامه من التشهد ، وظاهره ولو قام الإمام قبل جلوس المأموم معه ، لكن قضية قوله الآتي ما عدا الجلوس معه لأنه مفوت إلخ عدم فواته حيث لا جلوس منه ، وهو ظاهر ، ثم رأيت في سم على منهج عن ع التصريح بذلك ( قوله : وأمن فوات الصلاة ) أي بأن خاف أنه لو اشتغل بدعاء الافتتاح لا يمكنه فعل الصلاة أصلا لهجوم الموت عليه فيها أو طرو دم الحيض أو نحو ذلك .

                                                                                                                            وعبارة الروض وشرحه : لا من خاف فوت القراءة خلف الإمام أو فوت الوقت : أي وقت الصلاة أو وقت الأداء بأن لم يبق من وقتها إلا ما يسع ركعة فلا يندب له دعاء الافتتاح إلخ ، وتردد سم على منهج في المراد بفوت الوقت فليراجع أقول : يمكن حمل فوات الوقت على أنه إن اشتغل بدعاء الافتتاح خرج بعض الصلاة عن وقتها وإن قل فيكون معناه مغاير لمعنى خوف الأداء وإن كان خوف الأداء يغني عنه ( قوله : أو الأداء ) أي بأن كان [ ص: 473 ] لو اشتغل بدعاء الافتتاح لا يدرك ركعة في الوقت ، لكن هذا الإشكال فيه بالنظر لما في الروض وشرحه المذكور قبل ، وأما بالنسبة لقول الشارح وقد شرع فيها وفي وقتها ما يسع جميعها إلخ ففيه نظر ، لأنه حيث شرع فيها وقد بقي ما يسعها كاملة لا يتأتى أن دعاء الافتتاح يفوت عليه الأداء ، اللهم إلا أن يقال : قد يشرع فيها وبقي من الوقت ما يسعها للوسط المعتدل ولا يسع إلا ركعة بالنسبة له وكان اشتغاله بدعاء الافتتاح يمنعه من إدراك ركعة مع الإمام وقوله أيضا أو الأداء : أي بأن كان بحيث لو اشتغل به لم يدرك ركعة في الوقت ، وبهذا تعلم أن ما ذكر من أمن الفوات ليس معتبرا في منع المأموم بل معتبر لأصل استحباب دعاء الافتتاح ( قوله إن لم يتعوذ ) ظاهره وإن اشتغل بأذكار غير مشروعة ، ونظر فيه سم على حج .

                                                                                                                            أقول : والذي ينبغي أخذا من هذه العبارة ونحوها عدم الفوات ( قوله : أو يدرك إمامه ) هذا علم من قوله السابق بأن أدرك إمامه في القيام فهو تصريح بالمفهوم ( قوله : وإن أمن لتأمينه ) أي بأن فرغ الإمام عقب التحرم فأمن المأموم فإنه لا يكون مانعا من الإتيان بدعاء الافتتاح ( قوله : لأنه أول مسلمي هذه الأمة ) أي في الوجود الخارجي فلا ينافي أنه أول المسلمين مطلقا كما في حج لتقدم خلق ذاته وإفراغ النبوة عليه قبل خلق جميع الموجودات ( قوله فلا يقولها غيره ) أي لا يجوز له ذكره إلا إن قصد لفظ الآية ا هـ حج .

                                                                                                                            وكتب عليه سم : ظاهره الحرمة عند الإطلاق ، وقد تقتضي الحرمة البطلان لأنه حينئذ كلام أجنبي مخالف للوارد في حق هذا القائل ، وقد يتوقف في كل من الحرمة والبطلان لأنه لفظ قرآن ، ولا صارف إلا أن يدعي أن قرينة الافتتاح صارفة وفيه ما فيه ويبقى ما لو أتى بمعنى من المسلمين كقوله وأنا مسلم ، أو وأنا ثاني المسلمين في حق الصديق ا هـ . أقول والظاهر الاكتفاء به لأنه مساو للمعنى في قوله وأنا من المسلمين ( قوله وإرادة الشخص ) لعل المراد أنها تقوله ، ويحصل ذلك منها على إرادة الشخص لا أن مشروعيته في حقها تتوقف على الإرادة ( قوله : فاندفع بذلك قول من قال إلخ ) قائل ذلك الإسنوي وغيره ، وعبارة حج : وبه يرد قول الإسنوي : القياس [ ص: 474 ] المشركات المسلمات ، وقول غيره : القياس حنيفة مسلمة ا هـ .

                                                                                                                            ومع ذلك لو أتت به حصلت السنة .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : أي عقبه ) مراده بالعقبية أن لا يفصل بينه وبين التحرم تعوذ أو قراءة لا العقبية الحقيقية ( قوله : دون الاعتدال ) أي فما بعده ، وكان الأولى أن يقول من القيام دون ما بعده على أنه سيعيده قريبا بنحو ما ذكرته ( قوله : وأمن فوت الصلاة ) أي بأن لا يخاف الموت بأن لم يحضره ما يخشى منه الموت عاجلا ، وأما من صوره بخوف المرأة نزول الحيض أو خوف جنون يعتاده في هذا الوقت فيرد عليه أن الفائت في ذلك إنما هو الأداء فقط . واعلم أن هذا ، والمسألتين بعده لا يختص بالمأموم وإن أوهمه كلامه بخلاف الأول ، والخامس ( قوله : وقد شرع فيها وفي وقتها ما يسع جميعها ) هذا قيد رابع ، وهو المراد بقول غيره وأمن فوت وقت الصلاة فالحاصل أنه لا بد من [ ص: 473 ] أمنه فوت الصلاة من أصلها كما مر تمثيله ، وفوت الأداء كأن لم يبق من الوقت إلا ما يسع ركعة ، وفوت وقت الصلاة بأن لم يبق من الوقت إلا ما يسع الصلاة ، لكن يرد عليه أن هذا يغني عما قبله وفي حاشية الشيخ الجواب عن هذا بما لا يشفي ( قوله : ويأتي به سرا ) لا حاجة إليه ; لأنه سيأتي في المتن ( قوله : أو يدرك إمامه في غير القيام ) هذا مفهوم قوله فيما مر بأن يدرك إمامه في القيام ، وما ذكره عقبه قاصر كما مر التنبيه عليه ، ونبه الشهاب حج على أن محل هذا إذا لم يسلم الإمام قبل جلوسه ( قوله : أي مائلا عن كل الأديان إلخ ) عبارة الشهاب عميرة ، والحنيف يطلق على المائل ، والمستقيم ، فعلى الأول المراد المائل إلى الحق ، والحنيف أيضا عند العرب : من كان على ملة إبراهيم [ ص: 474 ] عليه الصلاة والسلام انتهت




                                                                                                                            الخدمات العلمية