الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        معلومات الكتاب

                        إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

                        الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

                        صفحة جزء
                        البحث التاسع عشر : في الإجماع الذي يخالف فيه واحد من المجتهدين

                        إذا خالف أهل الإجماع واحد من المجتهدين فقط : فذهب الجمهور إلى أنه لا يكون إجماعا ولا حجة .

                        قال الصيرفي : ولا يقال لهذا شاذ ; لأن الشاذ من كان في الجملة ثم شذ عنهم ، كيف يكون محجوبا بهم ؟ ولا يقع اسم الإجماع إلا به قال : إلا أن يجمعوا على شيء من جهة الحكاية ، فيلزمه قبول قولهم ، أما من جهة الاجتهاد فلا ; لأن الحق قد يكون معه .

                        وقال الغزالي والمذهب انعقاد إجماع الأكثر مع مخالفة الأقل ، ونقله الآمدي عن محمد بن جرير الطبري وأبي الحسين الخياط من معتزلة بغداد .

                        قال الشيخ أبو محمد الجويني ، والد إمام الحرمين ، والشرط أن يجمع جمهور تلك الطبقة ووجوههم ومعظمهم ، ولسنا نشترط قول جميعهم ، وكيف نشترط ذلك وربما يكون في أقطار الأرض من المجتهدين من لم نسمع به ؟ فإن السلف الصالح كانوا يعلمون ، ويتسترون بالعلم فربما كان الرجل قد أخذ الفقه الكثير ، ولا يعلم به جاره ، قال : والدليل على هذا أن الصحابة لما استخلفوا أبا بكر انعقدت خلافته بإجماع الحاضرين ، ومعلوم أن من الصحابة من غاب قبل وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى بعض البلدان ، ومن حاضري المدينة من لم يحضر البيعة ، ولم يعتبر ذلك مع اتفاق الأكثرين .

                        [ ص: 276 ] قال الصفي الهندي : والقائلون بأنه إجماع مرادهم : أنه ظني ، لا قطعي .

                        واحتج ابن جرير على عدم اعتبار قول الأقل بارتكابه الشذوذ المنهي عنه .

                        وأجيب عنه : بأن الشذوذ المنهي عنه هو : ما يشق عصا المسلمين لا في أحكام الاجتهاد .

                        وقال الأستاذ أبو إسحاق أن ابن جرير قد شذ عن الجماعة في هذه المسألة ، فينبغي أن لا يعتبر خلافه .

                        وقيل : إنه حجة ، وليس بإجماع ، ورجحه ابن الحاجب فإنه قال : لو قدر المخالف مع كثرة المجمعين ، لم يكن إجماعا قطعيا ، والظاهر : أنه حجة لبعد أن يكون الراجح متمسك المخالف .

                        وقيل : إن عدد الأقل إن بلغ عدد التواتر لم ينعقد إجماع غيرهم ، وإن كانوا دون عدد التواتر انعقد الإجماع دونهم ، كذا حكاه الآمدي .

                        قال القاضي أبو بكر : أإنه الذي يصح عن ابن جرير .

                        وقيل : اتباع الأكثر أولى ، ويجوز خلافه ، حكاه الهندي .

                        وقيل : أنه لا ينعقد الإجماع مع مخالفة الاثنين دون الواحد .

                        وقيل : لا ينعقد مع مخالفة الثلاث دون الاثنين والواحد ، حكاهما الزركشي في البحر .

                        وقيل : إن استوعب الجماعة الاجتهاد فيما يخالفهم كان خلاف المجتهد معتدا به ، كخلاف ابن عباس في العول ، وإن أنكروه لم يعتد بخلافه ، وبه قال أبو بكر الرازي أبو عبد الله الجرجاني من الحنفية . قال شمس الأئمة السرخسي : إنه الصحيح .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية