الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 614 ] 54- باب: ذكر ما ادعي عليه النسخ في سورة المزمل

ذكر الآية الأولى: قوله تعالى: قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا ، قال المفسرون ، المعنى: انقص من النصف قليلا أو زد على النصف ، فجعل له سعة في مدة قيامه ، إذ لم تكن محدودة فكان يقوم ومعه طائفة من المؤمنين ، فشق ذلك عليه وعليهم ، وكان يقوم الليل كله مخافة أن لا يحفظ القدر الواجب ، فنسخ الله ذلك عنه وعنهم بقوله: إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ، هذا مذهب جماعة من المفسرين .

وقالوا: ليس في القرآن سورة نسخ آخرها أولها سوى هذه السورة ، وذهب قوم إلى أنه نسخ قيام الليل في حقه بقوله: ومن الليل فتهجد به نافلة لك ، ونسخ في حق المؤمنين بالصلوات الخمس ، وقيل: نسخ عن الأمة وبقي فرضه عليه أبدا ، وقيل: إنما كان مفروضا عليه دونهم .

" [ ص: 615 ] أخبرنا ابن ناصر ، قال: أبنا علي بن أيوب ، قال: أبنا ابن شاذان ، قال: أبنا أبو بكر النجاد ، قال: أبنا أبو داود ، قال: بنا أحمد بن محمد ، قال: أبنا علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس " قم الليل إلا قليلا ، نسختها: علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن أخبرنا المبارك بن علي ، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش ، قال: أبنا أبو إسحاق البرمكي ، قال: أبنا محمد بن إسماعيل بن العباسي ، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود ، قال: أبنا زيد بن أخرم ، قال: أبنا بشر بن عمر ، قال: أبنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أبي المتوكل ، عن جابر بن عبد الله ، قال: " كتب علينا قيام الليل ، فقمنا حتى انتفخت أقدامنا ، وكنا في مغزى لنا ، فأنزل الله الرخصة: أن سيكون منكم مرضى إلى آخر السورة [ ص: 616 ] قال أبو بكر : وأبنا عبد الله بن محمد بن خلاد ، قال: أبنا يزيد ، قال: أبنا مبارك ، عن الحسن ، قال: " لما نزلت: يا أيها المزمل { 1 } قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ، كان قيام الليل فريضة ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ، قال الحسن : أما والله ما كلهم قام بها ، فخفف الله ، فأنزل آخر السورة: علم أن سيكون منكم مرضى إلى آخر الآية أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال: أبنا عمر بن عبيد الله ، قال: أبنا ابن بشران ، قال: أبنا إسحاق بن أحمد ، قال: أبنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثني أبي ، قال: أبنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن زرارة بن أبي أوفى ، عن سعد بن هشام ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت: " كان الله افترض قيام الليل في أول سورة المزمل ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا حتى انتفخت أقدامهم ، وأمسك خاتمتها في السماء اثنا عشر شهرا ، ثم أنزل الله آية فيها يسر وتخفيف ، فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة ، قال قتادة : نسختها فاقرءوا ما تيسر من القرآن الآية قال أحمد : وأبنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس رضي الله عنهما " يا أيها المزمل قم الليل ، قال: فلما قدم المدينة نسختها هذه الآية: إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل الآية [ ص: 617 ] قال أحمد : وأبنا عبد الصمد ، عن همام ، عن قتادة ، قال: " فرض قيام الليل في أول سورة المزمل ، فقام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتفخت أقدامهم ، وأمسك الله خاتمتها في السماء حولا ، ثم أنزل الله التخفيف في آخرها ، فقال: علم أن سيكون منكم مرضى فنسخ ما كان قبلها .

ذكر الآية الثانية: قوله تعالى: واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا ، قال المفسرون: واصبر على ما يقولون من تكذيبهم إياك وأذاهم لك: واهجرهم هجرا جميلا لا جزع فيه ، وهذه منسوخة عندهم بآية السيف ، وهو مذهب قتادة ، وعلى ما بينا من تفسيرها يمكن أن تكون محكمة .

[ ص: 618 ] ذكر الآية الثالثة: قوله تعالى: وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا زعم بعض المفسرين أنها منسوخة بآية السيف ، وليس بصحيح ، لأن قوله ذرني وعيد ، وأمره بإمهالهم ليس على الإطلاق ، بل أمره بإمهالهم إلى حين يؤمر بقتالهم ، فذهب زمان الإمهال فأين وجه النسخ ؟ ذكر الآية الرابعة: قوله تعالى: فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا زعم بعض من لا فهم له أنها نسخت بقوله: وما تشاءون إلا أن يشاء الله ، وليس هذا بكلام من يدري ما يقول ، لأن الآية الأولى أثبتت للإنسان مشيئته ، والآية الثانية أثبتت أنه لا يشاء حتى يشاء الله وكيف يتصور النسخ ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية