الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن عساكر ، عن الحسن في قوله : مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها قال : الشام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي [ ص: 522 ] حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن عساكر ، عن قتادة في قوله : مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها قال : هي أرض الشام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن عبد الله بن شوذب في قوله : مشارق الأرض ومغاربها قال : فلسطين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر ، عن زيد بن أسلم في قوله : التي باركنا فيها قال : قرى الشام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر ، عن كعب الأحبار قال : إن الله تعالى بارك في الشام من الفرات إلى العريش .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر ، عن أبي الأغيس ، وكان قد أدرك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه سئل عن البركة التي بورك في الشام أين مبلغ حده ؟ قال : أول حدوده عريش مصر ، والحد الآخر طرف الثنية ، والحد الآخر الفرات ، والحد الآخر جبل فيه قبر هود النبي عليه السلام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر ، عن معاوية بن أبي سفيان قال : إن ربك قال لإبراهيم [ ص: 523 ] عليه السلام : اعمر من العريش إلى الفرات ، الأرض المباركة ، وكان أول من اختتن وقرى الضيف .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر ، عن وهب بن منبه قال : دمشق بناها غلام إبراهيم الخليل عليه السلام ، وكان حبشيا ، وهبه له نمرود بن كنعان حين خرج إبراهيم من النار ، وكان اسم الغلام دمشق ، فسماها على اسمه ، وكان إبراهيم جعله على كل شيء له ، وسكنها الروم بعد ذلك بزمان .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر ، عن أبي عبد الملك الجزري قال : إذا كانت الدنيا في بلاء وقحط كان الشام في رخاء وعافية ، وإذا كان الشام في بلاء وقحط كانت فلسطين في رخاء وعافية ، وإذا كانت فلسطين في بلاء وقحط كان بيت المقدس في رخاء وعافية وقال : الشام مباركة ، وفلسطين مقدسة ، وبيت المقدس قدس ألف مرة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال : قلت لأبي سلام الأسود ، ما نقلك من حمص إلى دمشق ؟ قال : بلغني أن البركة تضعف بها ضعفين .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 524 ] وأخرج ابن عساكر ، عن مكحول ، أنه سأل رجلا أين تسكن ؟ قال : الغوطة ، قال له مكحول : ما يمنعك أن تسكن دمشق فإن البركة فيها مضعفة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر ، عن كعب قال : مكتوب في التوراة أن الشام كنز الله عز وجل من أرضه ، بها كنز الله من عباده ، يعني : بها قبور الأنبياء ؛ إبراهيم وإسحاق ويعقوب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر ، عن ثابت بن معبد قال : قال الله تعالى : يا شام ، أنت خيرتي من بلدي ، أسكنك خيرتي من عبادي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، والترمذي ، والروياني في "مسنده" ، وابن حبان ، والطبراني ، والحاكم وصححه ، عن زيد بن ثابت قال : كنا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع ، إذ قال : " طوبى للشام " ، قيل له : ولم؟ قال : "إن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليهم " .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 525 ] وأخرج البزار ، والطبراني بسند حسن ، عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إنكم ستجندون أجنادا ؛ جندا بالشام ومصر والعراق واليمن " ، قلنا : فخر لنا يا رسول الله ، قال : "عليكم بالشام فإن الله قد تكفل لي بالشام" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البزار ، والطبراني بسند ضعيف ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنكم ستجندون أجنادا" ، فقال رجل : يا رسول الله ، خر لي ، فقال : "عليك بالشام ، فإنها صفوة الله من بلاده ، فيها خيرة الله من عباده ، فمن رغب عن ذلك فليلحق بنجده ، فإن الله تكفل لي بالشام وأهله" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، وابن عساكر ، عن عبد الله بن حوالة الأزدي ، أنه قال : يا رسول الله ، خر لي بلدا أكون فيه ، فقال : "عليك بالشام ، إن الله يقول : يا شام ، أنت صفوتي من بلادي ، أدخل فيك خيرتي من عبادي "، ولفظ أحمد : "فإنه خيرة الله من أرضه ، يجتبي إليه خيرته من عباده ، فإن أبيتم فعليكم بيمنكم ، فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر ، عن واثلة بن الأسقع سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [ ص: 526 ] "عليكم بالشام فإنها صفوة بلاد الله ، يسكنها خيرته من عباده ، فمن أبى فليلحق بيمنه ، ويسق من غدره ، فإن الله تكفل لي بالشام وأهله" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، وأبو داود ، وابن حبان ، والحاكم ، عن عبد الله بن حوالة الأزدي ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إنكم ستجندون أجنادا ؛ جندا بالشام وجندا بالعراق وجندا باليمن" . فقال الحوالي : خر لي يا رسول الله ، قال : "عليكم بالشام ، فمن أبى فليلحق بيمنه وليسق من غدره ، فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم وصححه ، عن عبد الله بن عمرو قال : يأتي على الناس زمان لا يبقى فيه مؤمن إلا لحق بالشام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر ، عن عون بن عبد الله بن عتبة قال : قرأت فيما أنزل الله على بعض الأنبياء أن الله يقول : الشام كنانتي ، فإذا غضبت على قوم رميتهم منها بسهم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 527 ] وأخرج ابن عساكر والطبراني ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ستفتح على أمتي من بعدي الشام وشيكا ، فإذا فتحها فاحتلها ، فأهل الشام مرابطون إلى منتهى الجزيرة ، فمن احتل ساحلا من تلك السواحل فهو في جهاد ، ومن احتل بيت المقدس وما حوله فهو في رباط" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وصححه ، وابن ماجه ، وابن عساكر ، عن قرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم ، لا تزال طائفة من أمتي منصورين على الناس ، لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر ، عن ضمرة بن ربيعة قال : سمعت أنه لم يبعث نبي إلا من الشام ، فإن لم يكن منها أسري به إليها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، والطبراني ، وأبو نعيم ، والحافظ أبو بكر النجاد في "جزء التراجم" ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "بينا أنا نائم رأيت [ ص: 528 ] عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي فظننت أنه مذهوب به ، فأتبعته بصري ، فعمد به إلى الشام ، ألا فإن الإيمان حين تقع الفتن بالشام" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه ، عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الشام أرض المحشر والمنشر" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، عن أبي أيوب الأنصاري قال : ليهاجرن الرعد والبرق والبركات إلى الشام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، عن القاسم بن عبد الرحمن قال : مد الفرات على عهد عبد الله ، فكره الناس ذلك ، فقال : يا أيها الناس ، لا تكرهوا مده فإنه يوشك أن يلتمس فيه طست من ماء فلا يوجد ، وذاك حين يرجع كل ماء إلى عنصره ، فيكون الماء ، وبقية المؤمنين يومئذ بالشام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، عن كعب قال : أحب البلاد إلى الله الشام وأحب الشام إليه القدس وأحب القدس إليه جبل نابلس ، ليأتين على الناس زمان يتماسحونه بالحبال بينهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني ، وابن عساكر ، وأبو الشيخ في "العظمة" ، عن ابن [ ص: 529 ] عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "دخل إبليس العراق فقضى منها حاجته ، ثم دخل الشام فطردوه حتى بلغ بيسان ، ثم دخل مصر فباض فيها وفرخ وبسط عبقريه" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر ، عن ابن عمر قال : نزل الشيطان بالمشرق فقضى قضاءه ، ثم خرج يريد الأرض المقدسة الشام ، فمنع فخرج على بساق حتى جاء المغرب فباض بيضه ، وبسط بها عبقريه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر ، عن وهب بن منبه قال : إني لأجد ترداد الشام في الكتب ، حتى كأنه ليس لله حاجة إلا بالشام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، وابن عساكر ، عن ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا " ، قالوا : وفي نجدنا؟ وفي لفظ : وفي مشرقنا ؟ قال : "هناك الزلازل والفتن ، وبها يطلع قرن الشيطان " . زاد ابن عساكر في رواية : [ ص: 530 ] "وبها تسعة أعشار الشر" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر ، والخطيب في "المتفق والمفترق" ، عن ابن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الخير عشرة أعشار ؛ تسعة بالشام ، وواحد في سائر البلدان ، والشر عشرة أعشار ؛ واحد بالشام ، وتسعة في سائر البلدان ، وإذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني ، وابن عساكر ، عن عبد الله بن مسعود قال : قسم الله الخير ، فجعله عشرة أعشار ، فجعل تسعة أعشار بالشام وبقيته في سائر الأرضين ، وقسم الشر فجعله عشرة أعشار ؛ فجعل جزءا منه بالشام ، وبقيته في سائر الأرضين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر ، عن كعب الأحبار قال : نجد صفة الأرض في كتاب الله تعالى على صفة النسر؛، فالرأس الشام ، والجناحان المشرق والمغرب ، والذنب اليمن ، فلا يزال الناس بخير ما بقي الرأس ، فإذا نزع الرأس هلك الناس ، والذي [ ص: 531 ] نفسي بيده ليأتين على الناس زمان لا تبقى جزيرة من جزائر العرب إلا وفيهم مقنب خيل من الشام يقاتلونهم على الإسلام ، لولاهم لكفروا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر ، عن إياس بن معاوية قال : مثلت الدنيا على طائر ، فمصر والبصرة الجناحان ، والجزيرة الجؤجؤ ، والشام الرأس ، واليمن الذنب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر ، عن وهب بن منبه قال : رأس الأرض الشام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر ، عن كعب قال : إني لأجد في كتاب الله المنزل : أن خراب الأرض قبل الشام بأربعين عاما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر ، عن بحير بن سعد قال : تقيم الشام بعد خراب الأرض أربعين عاما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر ، عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ستخرج نار من حضرموت قبل يوم القيامة تحشر الناس " ، قلنا : يا رسول الله ، فما تأمرنا ؟ قال : "عليكم بالشام" .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 532 ] وأخرج ابن عساكر ، عن كعب قال : يوشك أن تخرج نار من اليمن تسوق الناس إلى الشام ، تغدو معهم إذا غدوا ، وتقيل معهم إذا قالوا ، وتروح معهم إذا راحوا ، فإذا سمعتم بها فاخرجوا إلى الشام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج تمام في "فوائده" ، وابن عساكر ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي، فأتبعته بصري، فإذا هو نور ساطع حتى ظننت أنه قد هوى به، فعمد به إلى الشام، ألا وإن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن الليث بن سعد في قوله : وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها قال : هي مصر ، وهي مباركة في كتاب الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عبد الحكم في "تاريخ مصر" ومحمد بن الربيع الجيزي في "مسند الصحابة الذين دخلوا مصر" ، عن عبد الله بن عمرو قال : مصر أطيب الأرض ترابا ، وأبعده خرابا ، ولن يزال فيها بركة ما دام في شيء من الأرضين بركة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عبد الحكم ، عن عبد الله بن عمرو قال : من أراد أن يذكر [ ص: 533 ] الفردوس أو ينظر إلى مثلها في الدنيا ، فلينظر إلى أرض مصر حين تخضر زروعها ، وتنور ثمارها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عبد الحكم ، عن كعب الأحبار قال : من أراد أن ينظر إلى شبه الجنة ، فلينظر إلى أرض مصر إذا أزهرت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عبد الحكم ، عن ابن لهيعة قال : كان عمرو بن العاصي يقول : ولاية مصر جامعة تعدل الخلافة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عبد الحكم ، عن عبد الله بن عمرو بن العاصي ، قال : خلقت الدنيا على خمس صور ؛ على صورة الطير برأسه وصدره وجناحيه وذنبه ؛ فالرأس مكة ، والمدينة ، واليمن ، والصدر الشام ومصر ، والجناح الأيمن العراق ، والجناح الأيسر السند والهند ، والذنب من ذات الحمام إلى مغرب الشمس ، وشر ما في الطير الذنب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو نعيم في "الحلية" ، عن نوف قال : إن الدنيا مثلت على طير ، فإذا انقطع جناحاه وقع ، وإن جناحي الأرض مصر والبصرة ، فإذا خربا ذهبت الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية