الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

الإسلام وهموم الناس

أحمد عبادي

المبحث الثاني : عمل التابعـين (رحمهم الله)

ومن التابعين، الذين تدل أعمالهم على امتثالهم للتوجيهات القرآنية والنبوية، التي تحض على تبني هـموم الناس، نذكر :

1- أبو مسلم الخولاني (عبد الله بن ثوب) رحمه الله :

قال عنه الداراني : (سيد التابعين، وزاهد العصر ) [1]

يقوم رحمه الله، لمعاوية بن أبي سفيان ، في المسجد، وكان، قد منع العطاء عن الناس، ليتكلم عنهم، متبنيا بذلك هـمومهم، ومدافعا عنهم، بكل شجاعة، وثبات، فيقول له: يا معاوية، إنه ليس من كدك، ولا كد أبيك، ولا كد أمك، حتى يغضب معاوية، وينزل عن المنبر، ثم يعود، رضي الله عنه ، بعد أن اغتسل، ليضرب أروع أمثلة قبول النصيحة، مهما كانت مرة، فيقول: إن أبا مسلم، كلمني بكلام أغضبني، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( الغضب من الشيطان، والشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليغتسل) ، وإنما دخلت فاغتسلت، وصدق أبو مسلم: إنه ليس من كدي، ولا كد أبي، فهلموا إلى عطائكم [2] [ ص: 71 ]

ويدخل مرة على معاوية ، فيقوم بين السماطين، فيقول: السلام

عليك، أيها الأجير فقالوا: مه! قال: دعوه، فهو أعرف، بما يقول.. وعليك السلام، يا أبا مسلم .. ثم وعظه، وحثه على العدل [3] توفي -رحمه الله- في زمن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان .

2- سعيد بن جبير ، رحمه الله:

قال للحجاج : ترى من نفسك أمورا، تريد بها الهيبة، وهي التي تقحمك في الهلاك، وسترد غدا فتعلم .

قال عنه إبراهيم النخعي [4] ، حين علم بوفاته: ( يرحمه الله، ما خلف مثله ) [5] وقال عنه ميمون بن مهران [6] : (لقد مات سعيد بن جبير، وما على الأرض، من رجل، إلا يحتاج لسعيد ) [7] يخرج رضي الله عنه ، على أهل الجور، ويقف في الناس، يوم دير الجماجم ، وهم يقاتلون، وهو يقول لهم: (قاتلوهم على جورهم في الحكم، وخروجهم من الدين، وتجبرهم على عباد الله، وإماتتهم الصلاة، واستذلالهم المسلمين ) [8] وحين لقي الحجاج ، بعد أن اعتقله جنده، قال له الحجاج: (... فما تقول في ؟ قال: أنت أعلم بنفسك. قال: بث بعلمك. قال: إذن [ ص: 72 ] نسوءك، ولا نسرك. قال: بث بعلمك. قال: أعفني. قال: لا عفا الله عني، إن أعفيتك. قال: إني لأعلم أنك مخالف لكتاب الله، ترى من نفسك أمورا ، تريد بها الهيبة، وهي التي تقحمك في الهلاك... وسترد غدا فتعـلم. قـال: أما والله، لأقتلـنك قتلة، لم أقـتلها أحـدا قبلك، ولا أقتلها أحدا بعدك ) [9] فقتله...

وقد استشهد -رحمه الله- سنة أربع وتسعين للهجرة (94هـ) .

3- مالك بن دينار رحمه الله:

( كفى بالمرء خيانة، أن يكون أمينا للخونة ) .

كان رحمه الله، من أعبد أهل عصره، يجيئة مرة رجل، قد حبس العشار -قابض العشر- سفينته، فيذكر له ذلك، فقام مالك، فمشى إلى العشار، فلما رأوه، قالوا: يا أبا يحيى! ألا تبعث لنا حاجتك ا! قال: حاجتي، أن تخلوا سفينة هـذا الرجل، قالوا: قد فعلنا، قال: وكان عندهم كوز، يجعلون فيه، ما يأخذونه من الناس، من الدراهم، فقالوا: ادع لنا يا أبا يحيى.. قال: قولوا للكوز، يدعو لكم، كيف أدعو لكم، وألف يدعون عليكم ا أترى يستجاب لواحد، ولا يستجاب لألف ؟ [10] .

وكان رحمه الله يقول: (كفى بالمرء خيانة، أن يكون أمينا للخونة ) [11] مات -رحمه الله- سنة 130هـ . [ ص: 73 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية