الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
الخاتمة

أخيرا أرى أنه من المستحسن الإشارة إلى النقاط الآتية:

1- أن تلك المعاني والصفات التي يتحلى بها الشارع الحكيم؛ تعد من محكمات الدين، والتي لا تنفتح على الاجتهاد والرأي، وأنها معان متعالية على الزمان والمكان وجميع الاعتبارات، وعليه يتعين رد ما يخالف ذلك من المعاني الظاهرية في النص إليها، قصد التناسق والتناغم الذي هـو صفة التشريع الدائمة.

2- أن تلك المعاني الكلية ثابتة عامة مطلقة، غير قابلة للتغير والتخصيص والتقييد والنسخ، بينما تلك المعاني الجزئية الظاهرة من أول وهلة من النص؛ لا تتسم بتلك الخصائص ولا ترقى إليها، ومن قواعد درء التعارض بين المعاني المتخالفة؛ تقديم ما هـو أقوى على ما دونه؛ قوة ودرجة ورتبة.

3- المعاني الجزئية ينبغي أن تكون انعكاسات لتلك المعاني الكلية، وخادمة لها، ولا يقبل بحال من الأحوال أن تنقلب بالإبطال على أصولها وتزعزعها، فكل فرع أفضى اعتباره إلى رفض أصله، والقضاء عليه؛ فهو [ ص: 150 ] باطل مرفوض [1] .

4- إذا كانت ثمة ظواهر نصية تفيد خلاف معاني الخير والإنصاف، وقواعد العدل والحكمة، والرأفة والرحمة، فإنها ترد إلى المطرد في تصرفات الشارع، ومعهوده في التكليف والخطاب والعناية بالعباد، فإن أحكام الشريعة تؤسس على الاطراد والعموم والضبط، دون الاضطراب والاستثناء والاختلال.

5- تلك المفاهيم والمضامين الكلية قيم أثبت العقل البشري ضرورة اتصاف التشريعات الوضعية بها، وإذا كان فقهاء القانون الوضعي يفسرون نصوص القوانين في ضوئها، فكيف لا يتم فقه أحكام أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين، وأرحم الراحمين بمقتضاها؟! فذلك كيل بمكيالين، بل هـو أشد ضررا وأنكى أثرا.

6- كلما كان قارئ النص على دراية وخبر بصفات صاحب النص وعاداته؛ كان فهمه للمعاني التي يحملها الخطاب أقرب إلى مراد المخاطب، وأحرى بالقبول، وهذه المعرفة لها دور بالغ وفاعل في إماطة اللبس أو الغموض أو الاحتمالات التي ترافق لغة النص، والتي تحول دون فهمه، فيحمل النص على المعاني القريبة التي تعكس تلك الصفات والعادات [ ص: 151 ] وتتواءم معها، دون المعاني المتنافرة المتخالفة.

7- الاعتقاد السليم بالله تعالى ورسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم يوجب على المسلم أن يفسر النص بمعنى، أو بحكم يتسم بالعدل والرأفة والرحمة والخير، وهذا هـو الإطار الكلي المرجعي الذي يجب أن يحيط بكل تفسير ويسيجه، ثم بعد ذلك يتم تحليل النص بهدف الوصول إلى الحكم الجزئي الذي جاء النص لإفادته.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم،

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. [ ص: 152 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية