الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
- هل يمكن تغيير الأخلاق إلى الأفضل؟:

لقد قال البعض: إن أخلاق الإنسان جبلية لا يمكن تغييرها، بل الإنسان مفطور على خلق جبله الله عليه ولا يمكن اكتساب غير هذه الأخلاق، التي جبله الله عليها، لما ورد في الأثر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قوله: ( إن الله قسم أخلاقكم كما قسم أرزاقكم ) [1] ، وبعضهم يعد هذا الحديث في حكم [ ص: 57 ] المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم [2] . ولكن هذا الرأي مردود لوجوه عدة. أولها: حديث الرسول صلى الله عليه وسلم لأشج بن عبد القيس رضي الله عنه الذي قال فيه: ( إن فيك خلتين يحبهما الله عز وجل، قلت: ما هما؟ قال: الحلم والحياء، قلت: أقديما كان في أم حديثا؟ قال: بل قديما، قلت: الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما ) [3] . وكما ذكر ابن حجر: "إن ترديده السؤال وتقريره عليه يشعر بأن في الخلق ما هو جبلي، وما هو مكتسب" [4] .

وممـا يدل على إمكانية تغيير الخلق قول الله عز وجل: ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) (الرعد:11).

وممـا يدل كذلك على إمكانية الوصول إلى الخلق الحسن، دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم وهو قـوله: ( واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت ) [5] . فلو لم يكن في الأخلاق ما يكتسب، لكان في الدعاء اعتداء، وحاشاه ذلك صلى الله عليه وسلم . إضافة [ ص: 58 ] إلى الحديث الآخر، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : ( ومن يصبر يصبره الله ) [6] . والصبر خلق من الأخلاق، فهو يكتسب بالمجاهدة والتدرب.

وبالجمـلة يمكن القول: إن الخلق وإن كان بعضه جبليا في الإنسان، إلا أن هناك أخلاقا تكتسب بالتعلم والتدرب، وسؤال الله عز وجل إياها، وإلا لما كان للمواعظ والوصايا، والوعد والوعيد، كبير فائدة إذا كان الإنسان مجبولا على السيئ من هذه الأخلاق، وكما ينتقل الإنسان من الأخلاق السيئة إلى الأخلاق الحسنة فقد يحصل العكس كذلك، وهو الانتقال من الأخلاق الحسنة إلى الأخلاق السيئة، وفي هذا انتكاس له عدة أسباب، ومن ذلك: الهموم التي قد تعتري الإنسان حينا من الدهر، أو الفقر وما يستتبعه من ذلة، أو الغنى وما يستتبعه من بطر وتيه، أو الإصابة ببعض الأمراض، أو كبر السن وما يلحقه من ضيق في العطن، وعدم تحمل للآخرين، وتبرم منهم [7] .

ولئن كان الانتقال من الحسن إلى السيئ ممكنا، فكذلك الانتقال من الأخلاق المذمومة إلى الأخلاق الحسنة ممكنا، ولله الحمد، وهذا ما يدفع الإنسان المسلم إلى تحري الخلق الحسن الذي كان يتحلى به نبيه صلى الله عليه وسلم ويتلمس خطاه في تطبيقه بما يستطيعه من جهد، حاديه في ذلك قول الحق: ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ) (العنكبوت:69). [ ص: 59 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية