الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت لو هلك رجل فأوصى أن يحج عنه فأنفذ الوصي ذلك ثم أتى رجل فاستحق رقبة الميت ، هل يضمن الوصي أو الحاج عن الميت المال وكيف بما قد بيع من مال الميت فأصابه قائما بعينه ؟

                                                                                                                                                                                      قال : أرى إن كان الميت حرا عند الناس يوم بيع ماله فلا يضمن له الوصي شيئا ولا الذي حج عن الميت ، ويأخذ ما أدرك من مال الميت وما أصاب مما قد باعوا من مال الميت قائما بعينه ، فليس له أن يأخذه إلا بالثمن ويرجع هو على من باع تلك الأشياء فيقبض منه ثمن ما باع من مال عبده ، قال : لأن مالكا قال لي في رجل شهد عليه أنه مات فباعوا رقيقه ومتاعه وتزوجت امرأته ، ثم أتى الرجل بعد ذلك قال : إن كانوا شهدوا بزور ردت إليه امرأته وأخذ رقيقه حيث وجدهم أو الثمن الذي به بيعوا إن أحب ذلك ، قال مالك : وإن كانوا [ ص: 487 ] شبه عليهم وكانوا عدولا ردت إليه امرأته وما وجد من متاعه أو رقيقه لم يتغير عن حاله وقد بيع أخذه بعد أن يدفع الثمن إلى من ابتاعه ، وليس له أن يأخذ ذلك حتى يدفع الثمن إلى من ابتاعه ، وما تحول عن حاله ففات أو كانت جارية وطئت فحملت من سيدها أو أستقت فليس له إلا الثمن وإنما له الثمن على من باع الجارية ، فأرى أن يفعل في العبد مثل ذلك .

                                                                                                                                                                                      قال ابن القاسم : وأنا أرى التدبير والعتق والكتابة فوتا فيما قال لي مالك ، والصغير إذا كبر أيضا فوتا فيما قال لي مالك ، لأن مالكا قال : إذا لم تتغير عن حالها فهذه قد تغيرت عن حالها ، والذي أراد مالك تغيير بدنها .

                                                                                                                                                                                      قلت لابن القاسم : فكيف تتبين شهود الزور ههنا من غير شهود الزور وكيف نعرفهم في قول مالك قال : إذا أتوا بأمر يشبه أن يكون إنما شهدوا بحق ، مثل ما لو حضروا معركة فصرع فنظروا إليه في القتلى ، ثم جاء بعد ذلك أو طعن فنظروا إليه في القتلى ، ثم جاء بعد ذلك أو صعق به فظنوا أنه قد مات فخرجوا على ذلك ، ثم جيء بعدهم أو أشهدهم قوم على موته فشهدوا بذلك عند القاضي ، فهؤلاء يعلم أنهم لم يتعمدوا الزور فهذا وما أشبهه ، وأما الزور في قول مالك فهو إذا لم يأتوا بأمر يشبه وعرف كذبهم .

                                                                                                                                                                                      قال : وقال مالك : إذا شهدوا بزور رد إليه جميع ماله حيث وجده ، قال ابن القاسم : وأنا أرى إذا كانوا شهود زور أنه يرد إليه ما أعتق من رقيقه وما دبر وما كوتب وما كبر وأم الولد وقيمة ولدها أيضا قال مالك : ويأخذ المشتري ولدها بالقيمة ، وكذلك قال لي مالك في الذي يباع عليه بشهادة زور : إنه يأخذها ويأخذ قيمة ولدها أيضا إذا شهدوا على سيدها بزور أنه مات عنها فباعوها في السوق ، وقد قال لي مالك في الجارية المسروقة إن صاحبها يأخذها ويأخذ قيمة ولدها وهو أحب قوله إلي قال ابن القاسم قال مالك : وإنما يأخذ قيمة ولدها يوم يحكم فيهم ، ومن مات منهم فلا قيمة له .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية