الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1316 1382 - حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، عن عدي بن ثابت أنه سمع البراء - رضي الله عنه - قال: لما توفي إبراهيم - عليه السلام - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن له مرضعا في الجنة". [3255، 6195 - فتح: 3 \ 244]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر حديث أنس : "ما من الناس مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث، إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم".

                                                                                                                                                                                                                              وحديث البراء: قال: لما توفي إبراهيم قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن له مرضعا في الجنة".

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              أما حديث أبي هريرة فقد سلف في أوائل الجنائز. لكن بلفظ آخر كما أوضحناه هناك في باب: من مات له ولد فاحتسبه ، وعزاه المزي في "أطرافه" إلى أنس بلفظ ليس هو هنا، ولا في ذاك الموضع، فليحمل على المعنى، وهذا لفظه: حديث: "ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد .. " الحديث. أخرجه البخاري في [ ص: 167 ] الجنائز ، وحديث البراء أخرجه .

                                                                                                                                                                                                                              إذا عرفت ذلك فالكلام عليه من أوجه:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              الثلاثة داخلة في حيز الكثرة، وقد يصاب المؤمن فيكون في إيمانه من القوة ما يصبر للمصيبة، ولا يصبر لتردادها عليه، فلذلك صار من تكررت عليه المصائب صبره أولى بجزيل الثواب، والولد من أجل ما يسر به الإنسان، لقد يرضى أن يفديه بنفسه، هذا هو المعهود في الناس والبهائم، فلذلك قصد الشارع إلى إعلاء المصائب والحض على الصبر عليها، وقد روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فيحتسبهم إلا كانوا له جنة من النار" ومعنى الحسبة: الصبر لما ينزل به، والاستسلام لقضاء الله عليه، فإذا طابت نفسه على الرضا عن الله في فعله استكمل جزيل الأجر.

                                                                                                                                                                                                                              وقد جاء أنه ليس شيء من الأعمال يبلغ مبلغ الرضا عن الله في جميع النوازل، وهذا معنى قوله تعالى: رضي الله عنهم ورضوا عنه [المائدة: 119] يريد: رضي أعمالهم، ورضوا عنه بما أجرى عليهم من قضائه وما أجزل لهم من عطائه.

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها:

                                                                                                                                                                                                                              معنى: "لم يبلغوا الحنث": لم يبلغوا أن تجري عليهم الأقلام [ ص: 168 ] بالأعمال، والحنث: الذنب العظيم.

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها:

                                                                                                                                                                                                                              حديث أنس دال قاطع أن أولاد المسلمين في الجنة لا بد، لا يجوز أن يرحم الله الآباء من أجل من ليس بمرحوم، ويشهد لصحة هذا قوله في ابنه إبراهيم: "إن له مرضعا في الجنة" وعلى هذا القول جمهور علماء المسلمين أن أطفال المسلمين في الجنة، إلا المجبرة فإنهم عندهم في المشيئة، وهو قول مهجور مردود بإجماع الحجة، ذكر للتنبيه على وهمه وغلطه .

                                                                                                                                                                                                                              رابعها:

                                                                                                                                                                                                                              بوب البخاري على أولاد المسلمين، ولم يذكر حديثا فيهم، وأجيب بأنه إذا رحم الآباء بهم فالأبناء أولى، وحديث إبراهيم يرده، وهو ظاهر في التبويب.

                                                                                                                                                                                                                              خامسها:

                                                                                                                                                                                                                              "إن له مرضعا في الجنة" أي: من يتم رضاعه، يقال: امرأة مرضع بغير هاء كحائض، وقد أرضعت فهي مرضعة، إذا بنيته من الفعل، وروي مرضعا -بفتح الميم -أي: رضاعا.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية