الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  54 وقال الله تعالى: قل كل يعمل على شاكلته على نيته.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  قال الكرماني: الظاهر أنه جملة حالية لا عطف وحكاه بعضهم عنه ثم قال: أي مع أن الله قال قلت: ليت شعري ما هذه الحال، وأين ذو الحال، وهل هي مبنية لهيئة الفاعل، أو لهيئة المفعول على أن القواعد النحوية تقتضي أن الفعل الماضي المثبت إنما يقع حالا إذا كان فيه قد لأن الماضي من حيث إنه منقطع الوجود عن زمان الحال مناف له، فلا بد من قد لتقربه من الحال لأن القريب من الشيء في حكمه، فإن قلت: لا يلزم أن تكون ظاهرة بل يجوز أن تكون مضمرة كما في قوله تعالى: أو جاءوكم حصرت صدورهم أي قد حصرت، قلت: أنكر الكوفيون إضمار قد، وقالوا: هذا خلاف الأصل، وأولوا الآية بأو جاؤوكم حاصرة صدورهم، نعم يمكن أن تجعل الواو هنا للحال، لكن بتقدير محذوف، وتقدير هذه الجملة اسمية، وهو أن يقال: تقديره: وكيف لا يدخل الإيمان وأخواته التي ذكرها في قوله: الأعمال بالنية، والحال أن الله تعالى قال: قل كل يعمل على شاكلته [ ص: 315 ] وقوله: لا عطف ليس بسديد لأنه يجوز أن يكون للعطف على محذوف تقديره: يدخل فيه الإيمان إلخ، لأنه صلى الله عليه وسلم قال: "الأعمال بالنية"، وقال تعالى: قل كل يعمل على شاكلته وتفسير بعضهم بقوله: أي إن الله تعالى يشعر بأن الواو هاهنا للمصاحبة وقد تبع الكرماني بأنها للحال، وبينهما تناف على أن الواو بمعنى مع لا تخلو إما أن تكون من باب المفعول معه أو هي الواو الداخلة على المضارع المنصوب لعطفه على اسم صريح أو مؤول، كقوله: ولبس عباءة وتقر عيني.

                                                                                                                                                                                  والثاني شرطه أن يتقدم الواو نفي أو طلب، ويسمي الكوفيون هذه واو الصرف وليس النصب بها خلافا لهم، ومثاله: ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين وقول الشاعر:


                                                                                                                                                                                  لا تنه عن خلق وتأتي مثله

                                                                                                                                                                                  .

                                                                                                                                                                                  والواو هنا ليست من القبيلين المذكورين، ويجوز أن تكون الواو هاهنا بمعنى لام التعليل على ما نقل عن المازري أنها تجيء بمعنى لام التعليل فالمعنى على هذا فدخل فيه الإيمان وأخواته لقوله تعالى: قل كل يعمل على شاكلته قال الليث: الشاكلة من الأمور ما وافق فاعله، والمعنى أن كل أحد يعمل على طريقته التي تشاكل أخلاقه، فالكافر يعمل ما يشبه طريقته من الإعراض عند النعمة واليأس عند الشدة، والمؤمن يعمل ما يشبه طريقته من الشكر عند الرخاء والصبر عند البلاء، ويدل عليه قوله تعالى: فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا وقال الزجاج: على شاكلته على طريقته ومذهبه، ونقل ذلك عن مجاهد أيضا، ومن هذا أخذ الزمخشري، وقال: أي على مذهبه وطريقته التي تشاكل كل حاله في الهدى والضلالة من قولهم: طريق ذو شواكل، وهي الطرق التي تتشعب منه، والدليل عليه قوله: فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا أي أسد مذهبا وطريقة، وقوله: على نيته تفسير لقوله: " على شاكلته "، وحذف منه حرف التفسير، وهذا التفسير روي عن الحسن البصري، ومعاوية بن قرة المزني، وقتادة فيما أخرجه عبد بن حميد، والطبري عنهم، وفي العباب، وقوله تعالى: قل كل يعمل على شاكلته أي على ناحيته وطريقته، وقال قتادة: أي على جانبه وعلى ما ينوي، وقال ابن عرفة: أي على خليقته ومذهبه وطريقته، ثم قال في آخر الباب: والتركيب يدل معظمه على المماثلة.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية