الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        [ ص: 340 ] المسألة الثانية : في كون العموم من عوارض الألفاظ ، أو المعاني

                        ذهب الجمهور إلى أن العموم من عوارض الألفاظ فإذا قيل : هذا لفظ عام صدق على سبيل الحقيقة .

                        وقال القاضي أبو بكر : إن العموم والخصوص يرجعان إلى الكلام ، ثم الكلام الحقيقي هو المعنى القائم بالنفس وهو الذي يعم ويخص ، والصيغ والعبارات دالة عليه ولا يسمى بالعموم والخصوص إلا تجوزا ، كما أن الأمر والنهي يرجعان إلى المعنى العام بالنفس دون الصيغ . انتهى .

                        واختلف الأولون في اتصاف المعاني بالعموم ، بعد اتفاقهم على أنه حقيقة في الألفاظ ، فقال بعضهم : إنها تتصف به حقيقة ، كما تتصف به الألفاظ .

                        وقال بعضهم : إنها تتصف به مجازا .

                        وقال بعضهم : إنها لا تتصف به لا حقيقة ولا مجازا .

                        احتج القائلون بأنه حقيقة فيهما : بأن العموم حقيقة في شمول أمر لمتعدد ، فكما صح في الألفاظ باعتبار شمول لفظ لمعان متعددة بحسب الوضع ، صح في المعاني باعتبار شمول معنى لمعان متعددة ; لأنه لا يتصور شمول أمر معنوي لأمور متعددة ، كعموم المطر والخصب ( والقحط للبلاد ، وكذلك يقال : عم المطر وعم الخصب ) ونحوهما ، وكذلك ما يتصوره الإنسان من المعاني الكلية ، فإنها شاملة لجزئياتها المتعددة الداخلة تحتها ، ولذلك يقول المنطقيون : العام ما لا يمنع تصوره وقوع الشركة فيه والخاص بخلافه .

                        وأجيب : بأن العام شمول أمر لمتعدد ، وشمول المطر والخصب ونحوهما ليس كذلك إذ الموجود في مكان غير الموجود في المكان الآخر ، وإنما هو أفراد من المطر والخصب .

                        وأيضا ما ذكروه عن المنطقيين غير صحيح ، فإنهم إنما يطلقون ذلك على الكلي لا على العام .

                        ورد : بمنع كونه يعتبر في معنى العموم لغة هذا القيد ، بل يكفي الشمول ، سواء كان [ ص: 341 ] هناك أمر واحد أو لم يكن .

                        ومنشأ الخلاف هذا هو ما وقع من الخلاف في معنى العموم ، فمن قال : معناه شمول أمر لمتعدد ، واعتبروا وحدة الأمر وحدة شخصية منع من إطلاقه حقيقة على المعاني ، فلا يقال هذا المعنى عام ; لأن الواحد بالشخص لا شمول له ، ولا يتصف بالشمول لمتعدد إلا الموجود الذهني ، ووحدته ليست بشخصية ، فيكون عنده إطلاق العموم على المعاني مجازا لا حقيقة كما صرح به الرازي .

                        ومن فهم من اللغة أن الأمر الواحد الذي أضيف إليه الشمول في معنى العموم أعم من الشخصي ومن النوعي أجاز إطلاق العام على المعاني حقيقة .

                        وقيل : إن محل النزاع إنما هو من صحة تخصيص المعنى العام ، كما يصح تخصيص اللفظ العام ، لا في اتصاف المعاني بالعموم ، وفيه بعد ، فإن نصوص هؤلاء المختلفين مصرحة بأن خلافهم في اتصاف المعاني بالعموم .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية