الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        المسألة الثانية : في الفرق بين النسخ والتخصيص

                        اعلم أنه لما كان التخصيص شديد الشبه بالنسخ ، لاشتراكهما في اختصاص الحكم [ ص: 410 ] ببعض ما يتناوله اللفظ احتاج أئمة الأصول إلى بيان الفرق بينهما من وجوه :

                        الأول : أن التخصيص ترك بعض الأعيان ، والنسخ ترك بعض الأزمان ، كذا قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني .

                        الثاني : أن التخصيص يتناول الأزمان ، والأعيان ، والأحوال ، بخلاف النسخ فإنه لا يتناول إلا الأزمان .

                        قال الغزالي : وهذا ليس بصحيح ، فإن الأعيان والأزمان ليسا من أفعال المكلفين ، والنسخ يرد على الفعل في بعض الأزمان ، والتخصيص يرد على الفعل في بعض الأحوال . انتهى .

                        وهذا الذي ذكره هو فرق مستقل ، فينبغي أن يكون هو الوجه الثالث .

                        الوجه الرابع : أن التخصيص لا يكون إلا لبعض الأفراد ، بخلاف النسخ فإنه يكون لكل الأفراد ، ذكره البيضاوي .

                        الوجه الخامس : أن النسخ تخصيص الحكم بزمان معين ، بطريق خاص ، بخلاف التخصيص ، قاله أيضا الأستاذ ، واختاره البيضاوي ، واعترض عليه إمام الحرمين .

                        الوجه السادس : أن التخصيص تقليل ، والنسخ تبديل ، حكاه القاضي أبو الطيب عن بعض أصحاب الشافعي ، واعترض بأنه قليل الفائدة .

                        السابع : أن النسخ يتطرق إلى كل حكم ، سواء كان ثابتا في حق شخص واحد ، أو أشخاص كثيرة ، والتخصيص لا يتطرق إلا إلى الأول ، ومنهم من عبر عن هذا بعبارة أخرى ، فقال : التخصيص لا يدخل في الأمر بمأمور واحد ، والنسخ يدخل فيه .

                        [ ص: 411 ] الثامن : أن التخصيص يبقي دلالة اللفظ على ما بقي تحته ، حقيقة كان أو مجازا ، على الخلاف السابق ، والنسخ يبطل دلالة حقيقة المنسوخ في مستقبل الزمان بالكلية .

                        التاسع : أنه يجوز تأخير النسخ عن وقت العمل بالمنسوخ ، ولا يجوز تأخير التخصيص عن وقت العمل بالمخصوص .

                        العاشر : أنه يجوز نسخ شريعة بشريعة أخرى ، ولا يجوز التخصيص .

                        قال القرافي : وهذا الإطلاق وقع في كتب العلماء كثيرا ، وهذا غير مسلم .

                        والمراد أن الشريعة المتأخرة قد تنسخ بعض أحكام الشريعة المتقدمة أما كلها فلا ; لأن قواعد العقائد لم تنسخ وكذلك حفظ الكليات الخمس .

                        الحادي عشر : أن النسخ رفع الحكم بعد ثبوته ، بخلاف التخصيص فإنه بيان المراد باللفظ العام ، ذكره القفال الشاشي ، والعبادي في زياداته .

                        الثاني عشر : أن التخصيص بيان ما أريد بالعموم ، والنسخ بيان ما لم يرد بالمنسوخ ، ذكره الماوردي .

                        الثالث عشر : أن التخصيص يجوز أن يكون مقترنا بالعام أو متقدما عليه أو متأخرا عنه ، ولا يجوز أن يكون الناسخ متقدما على المنسوخ ، ولا مقترنا به ، بل يجب أن يتأخر عنه .

                        الرابع عشر : أن النسخ لا يكون إلا بقول وخطاب ، والتخصيص قد يكون بأدلة العقل والقرائن وسائر أدلة السمع .

                        الخامس عشر : أن التخصيص يجوز أن يكون بالإجماع ، والنسخ لا يجوز أن يكون بالإجماع .

                        السادس عشر : أن التخصيص يجوز أن يكون في الأخبار والأحكام ، والنسخ يختص بأحكام الشرع .

                        [ ص: 412 ] السابع عشر : أن التخصيص على الفور ، والنسخ على التراخي ، ذكره الماوردي . قال الزركشي ، وفيه نظر .

                        الثامن عشر : أن تخصيص المقطوع بالمظنون واقع ، ونسخه به غير واقع ، وهذا فيه ما سيأتي من الخلاف .

                        التاسع عشر : أن التخصيص لا يدخل في غير العام ، بخلاف النسخ ، فإنه يرفع حكم العام والخاص .

                        الموفي عشرين : أن التخصيص يؤذن بأن المراد بالعموم عند الخطاب ما عداه ، والنسخ يحقق أن كل ما يتناوله اللفظ مراد في الحال ، وإن كان غير مراد فيما بعده .

                        هذا جملة ما ذكروه من الفروق ، وغير خاف عليك أن بعضها غير مسلم ، وبعضها يمكن دخوله في البعض الآخر منها .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية