الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5006 [ ص: 480 ] 33 - باب: قول الإمام للمتلاعنين: إن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟

                                                                                                                                                                                                                              5312 - حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، قال عمرو: سمعت سعيد بن جبير قال: سألت ابن عمر، عن المتلاعنين، فقال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للمتلاعنين: "حسابكما على الله أحدكما كاذب، لا سبيل لك عليها". قال: مالي؟ قال: "لا مال لك، إن كنت صدقت عليها، فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها، فذاك أبعد لك". قال سفيان: حفظته من عمرو. وقال أيوب: سمعت سعيد بن جبير قال: قلت لابن عمر: رجل لاعن امرأته، فقال بإصبعيه -وفرق سفيان بين إصبعيه السبابة والوسطى- فرق النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أخوي بني العجلان، وقال: "الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟". ثلاث مرات. قال سفيان: حفظته من عمرو وأيوب كما أخبرتك. [انظر: 5311 - مسلم: 1493 - فتح: 9 \ 457].

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق من حديث سعيد بن جبير أيضا قال: سألت ابن عمر، عن المتلاعنين، فقال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للمتلاعنين: "حسابكما على الله، أحدكما كاذب، لا سبيل لك عليها". قال: مالي؟ قال: "لا مال لك، إن كنت صدقت عليها، فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها، فذاك أبعد لك".

                                                                                                                                                                                                                              قال سفيان الراوي عن عمرو بن دينار الراوي عن سعيد: حفظته من عمرو. وقال أيوب: سمعت سعيد بن جبير قال: قلت لابن عمر: رجل لاعن امرأته؟ فقال بإصبعيه -وفرق سفيان بين إصبعيه السبابة والوسطى-: فرق النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أخوي بني العجلان، وقال: "الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ ". ثلاث مرات. قال سفيان: حفظته من عمي وأيوب -كما أخبرتك. والإجماع قائم على وجوب الصداق للملاعنة;

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 481 ] لأنهما كانا على نكاح صحيح قبل التعانهما، وكل من وطئ امرأة لشبهة فالصداق لها واجب، فكيف النكاح الصحيح. والحديث دال على وجوبه بالدخول.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن المنذر: وفي حديث ابن عمر دليل على وجوب صداقها وأن الزوج يرجع عليها بالمهر وإن أقرت بالزنا; لقوله - عليه السلام -: "إن كنت صدقت عليها .. " الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              قال: ولو قال قائل: إن فيه دليلا على أن المهر اعتبر بالمسيس لا بالخلوة لشاع ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              قال المهلب: في قوله: "إن كنت صادقا فقد دخلت بها" دليل على أن الدخول بالمرأة يكنى به عن الجماع، وهو دليل على وجوب جماعها وإن كان قد لا يكون جماع مع الدخول، فغلب - صلى الله عليه وسلم - ما يكون في الأكثر وهو الدخول لما ركب الله في نفوس عباده من شهوة النساء. وسيأتي اختلاف العلماء في ذلك في باب: المهر للمدخول عليها. بعد هذا الباب.

                                                                                                                                                                                                                              قال الطبري: في قوله: "الله يعلم .. " إلى آخره، أنه ينبغي للإمام -إذا أراد [أن] يستحلف من لزمته يمين لغيره فرآه ماضيا على اليمين- أن يذكره بالله ويعظه، ويتلو عليه قول الله تعالى: إن الذين يشترون بعهد الله [آل عمران: 77] الآية; ليرتدع عن اليمين إن كان مبطلا فيها، ولذلك أمر - عليه السلام - أن يوقف كل منهما عند الخامسة. فيقال له: اتق الله. فإنها الموجبة التي توجب عذاب الله، وإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن المنذر: وفيه بدء الإمام بعظة الزوجين، والبداءة بالزوج في ذلك قبل المرأة .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 482 ] فصل:

                                                                                                                                                                                                                              ظاهر هذا الحديث أن قوله: "الله يعلم .. " إلى آخره بعد الملاعنة، وقد سلف ذلك. وقال ابن التين: كان ذلك قبلها، حذرها الكذب وتعمده.

                                                                                                                                                                                                                              قال الشافعي: قصد به أن يبين أن الحكم إنما يتعلق بالظاهر، وأنه لا اعتبار بالباطن ردا على مالك في قوله: إن الزنديق لا تقبل توبته ويقتل.

                                                                                                                                                                                                                              وقد يقال: محل الأول إذا لم يسلم فيه الباطن، ألا ترى أن ظاهر إيمانه بعد توبته كظاهره منه قبلها، وقد اتفقنا على أنه لا يحكم له بذلك الظاهر مع العلم بظاهره، فكذا بعد توبته كأن المراد منه حينئذ اعتقاد يخالف اعتقاده الأول، وذلك غير معلوم منه فلذا لم يصح، بخلاف توبة أحد المتلاعنين; لأنها مسموعة معلومة بإكذاب نفسه ففارقه.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قد أسلفنا وجوب المهر للمدخول بها، وأنه إجماع. واختلف في غير المدخول بها فقال مالك وغيره: لها نصفه .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الزهري وابن الجلاب: لا شيء لها. وقال الحكم وحماد: هو كله لها .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية