الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5019 [ ص: 537 ] 43 - باب: قول الله تعالى: ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن [البقرة: 228]

                                                                                                                                                                                                                              من الحيض والحمل.

                                                                                                                                                                                                                              5329 - حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: لما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينفر، إذا صفية على باب خبائها كئيبة، فقال لها: "عقرى -أو حلقى- إنك لحابستنا أكنت أفضت يوم النحر؟". قالت: نعم. قال: "فانفري إذا". [انظر: 294 - مسلم: 1211 - فتح 9 \ 481].

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر حديث عائشة - رضي الله عنها - لما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينفر، إذا صفية على باب خبائها كئيبة، فقال "ما لها عقرى حلقى إنك لحابستنا أكنت أفضت يوم النحر؟ ". قالت: نعم. قال: "فانفري إذا".

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              أما الآية فقال أبي بن كعب: إن من الأمانة أن المرأة ائتمنت على فرجها . وقال ابن عباس وابن عمر: لا يحل لها إن كانت حاملا أن تكتم حملها، ولا يحل لها إن كانت حائضا أن تكتم حيضها. يعني: المطلقة .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 538 ] قال الزهري: لتنقضي العدة فلا يملك الزوج الرجعة إذا كانت له.

                                                                                                                                                                                                                              وقال مجاهد: وذلك في بغض المرأة زوجها وحبه.

                                                                                                                                                                                                                              وقال قتادة: إن كانت المرأة تكتم حملها فتذهب به إلى رجل آخر مخافة الرجعة فنهى الله عن ذلك، وتقدم [ما] فيه .

                                                                                                                                                                                                                              قال إسماعيل: وهذه الآية تدل أن المرأة المعتدة مؤتمنة على رحمها من الحيض والحمل، فإن قالت: قد حضت، كانت مصدقة، وإن قالت: قد ولدت، فكانت مصدقة إلا أن تأتي من ذلك بما يعرف كذبها فيه، وكذلك كل مؤتمن فالقول قوله قال الله تعالى في آية الدين: فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا [البقرة: 282] فوعظ الذي عليه الحق حين جعل القول قوله كما وعظت المرأة حين جعل القول قولها.

                                                                                                                                                                                                                              وقول أبي بن كعب، يدل على ذلك. وقال سليمان بن يسار: لم نؤمر أن نفتح النساء فننظر إلى فروجهن لنعلم صدق قولهن، ولكن كل ذلك إليهن إذ كن مؤتمنات .

                                                                                                                                                                                                                              وأما حديث عائشة - رضي الله عنها - فسلف في الطهارة وغيرها وهو شاهد لتصديق النساء فيما يدعينه من الحيض والحمل دون شهادة القوابل، وكذلك الإماء، ألا ترى أنه - عليه السلام - أراد أن يحبس المسلمين كلهم بما ذكرت صفية من حيضها، ولم يمتحن ذلك عليها ولا أكذبها.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 539 ] وقد روى ابن أبي شيبة في "مصنفه" معنى هذا عن علي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وعبد الله بن عمرو، وعبيد بن عمير، وسليمان بن يسار .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: أن طواف الوداع على الحائض لا يجب، وقد سلف في الحيض اختلاف العلماء في أقل ما تصدق فيه المرأة من انقضاء عدتها.

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى: كئيبة: محزونة سيئة الحال، ومعنى "عقرى حلقى" عقرها الله وحلقها أي: أصابها بوجع في حلقها، كما يقال: حلق رأسه. وقال الأصمعي: يقال (للأمر) يعجب منه ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو عمرو: يقال للمرأة ذلك إذا كانت مشئومة مؤذية. وقيل: العرب تقول ذلك لمن دهمه أمر وهو بمعنى الدعاء، لكنه جرى على لسانهم من غير قصد إليه ، وروي بالتنوين فيهما يجعلونهما مصدرين، وهذا هو المعروف في اللغة، وأهل الحديث على ترك التنوين. ومن مواضع التعجب قول أم الصبي الذي تكلم: عقرى .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية