الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              باب التصديق بأن الله تبارك وتعالى كلم موسى ، وبيان كفر من جحده وأنكره

              اعلموا رحمكم الله أنه من زعم أنه على ملة إبراهيم ودين محمد صلى الله عليه وسلم وأنه من أهل شريعة الإسلام ثم جحد أن الله كلم موسى ، فقد أبطل فيما ادعاه من دين الإسلام ، وكذب في قوله : إنه من المسلمين ، ورد على الله قوله ، وكذب بما جاء به جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، ورد الكتاب والسنة وإجماع الأمة .

              قال الله عز وجل : وكلم الله موسى تكليما .

              وقال : ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه .

              وقال : إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي .

              وقال : إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري .

              وقال : يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم .

              وقال : يا موسى إني أنا الله رب العالمين . [ ص: 302 ]

              وقال : يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك .

              وقال : هل أتاك حديث موسى إذ ناداه ربه بالواد المقدس .

              فأنكر الجهمي الخبيث الملعون هذا كله ، ورده وجحد به ، وقال : أن الله ما تكلم قط ولا يتكلم ، وزعم أن ربه كالحجارة الصم البكم الجماد الخرس التي كانت تعبدها الجاهلية ، لا تسمع ، ولا تبصر ، ولا تنطق ، ولا تنفع ، ولا تضر ، وهو مع هذا يزعم أنه يريد أن ينزه الله ويرفعه عن التشبيه ببني آدم يتكلمون ويسمعون ويبصرون .

              ويقول : إن الكلام لا يجوز أن يكون إلا من جوف بلسان وشفتين وحلق ولهوات ، فينفون عن الله القدرة ، ويزعمون أنه لا يقدر أن يتكلم إلا بآلات الكلام ، وقالوا : إن الله كون شيئا فعبر عنه ، وخلق صوتا ، فأسمع موسى ذلك الكلام .

              قلنا : هل شاهدتموه وعاينتموه حتى علمتم أن هذا هكذا كان ؟ قالوا : لا . [ ص: 303 ]

              قلنا : بلغكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك ؟ قالوا : لا . قلنا : فهل أنزل الله عز وجل ذلك في كتبه السالفة ، أو قاله نبي من الأنبياء المتقدمين ؟ قالوا : لا ، ولكن المعقول يدل على ما قلناه ، قلنا : فهل يجوز لمخلوق خلقه الله وكونه أن يقول : إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري ؟

              فمن زعم أن المكلم لموسى كان غير الله ، فقد زعم أن الله خلق خلقا ادعى الربوبية ، وأن موسى أجابه وعبده من دونه ، ومضى إلى فرعون برسالة مخلوق ، وأمر فرعون أن يعبد غير الله ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، قال الله عز وجل فيما وصف به كتابه : بلسان عربي مبين ، وقال : وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه .

              فقد علم أهل العلم بكلام العرب وفصيح اللسان أنه لا يكون كلام إلا من متكلم ، كما لا يكون رسول إلا من مرسل ، ولا عطاء إلا من معط وقال تعالى : وكلم الله موسى تكليما ، فأدخل : تكليما تأكيدا للكلام ولنفي المجاز ، فإنه لا جائز أن يقول إنسان : كلمت فلانا في كتابي وعلى لسان رسولي تكليما .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية