الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              237 [ 129 م ] ومن حديث أبي ذر ; قال : فلما علونا السماء الدنيا فإذا رجل عن يمينه أسودة ، وعن يساره أسودة . قال : فإذا نظر قبل يمينه ضحك ، وإذا نظر قبل شماله بكى ، فقال : مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح - وهكذا قال إبراهيم ، وسائر الأنبياء يقولون : مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح - . قال : قلت : يا جبريل ! من هذا ؟ قال : هذا آدم ، وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه ، فأهل اليمين أهل الجنة ، والأسودة التي عن شماله أهل النار . فإذا نظر قبل يمينه ضحك ، وإذا نظر قبل شماله بكى . . الحديث .

                                                                                              سبق تخريجه برقم ( 129 ) .

                                                                                              [ ص: 387 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 387 ] (56) ومن باب ما خص الله به محمدا نبينا - صلى الله عليه وسلم - من كرامة الإسراء

                                                                                              و ( قوله في صفة البراق : " دابة أبيض طويل ") جاء بوصف المذكر ; لأنه وصف للبراق ، ولو أتى به على لفظ الدابة ، لقال : طويلة . والبراق مشتق من البرق ، قاله ابن دريد . وقيل : هو من الشاة البرقاء إذا كان في خلال صوفها الأبيض طاقات سود ، ومن هذا قوله - عليه الصلاة والسلام - : " أبرقوا ، فإن دم عفراء عند الله أزكى من دم سوداوين " ; أي : ضحوا بالبرقاء ، وهي العفراء هنا ; فإن العفرة بياض يخالطه يسير صفرة .

                                                                                              و ( قوله : " عند منتهى طرفه ") بسكون الراء ، وهو العين ، يعني أنه سريع بعيد الخطو .

                                                                                              [ ص: 388 ] و ( قوله : " أصبت الفطرة ") أصل الفطرة : ابتداء الخلقة ، ومنه : فطر ناب البعير ، إذا ابتدأ خروجه ، ومنه : قول الأعرابي المتحاكم إلى ابن عباس في البئر : " أنا فطرتها " ، أي : ابتدأت حفرها . وقيل في قوله تعالى : فطرت الله التي فطر الناس عليها [ الروم : 30 ] ; أي : جبلة الله التي جبلهم عليها من التهيؤ لمعرفته والإقرار به . وقيل : هي ما أخذ عليهم في ظهر آدم - عليه السلام - من الاعتراف بربوبيته . وقيل : الفطرة الإسلام ; لأنه الذي تقتضيه فطرة العقل ابتداء . وقد حمل على هذا قوله - عليه الصلاة والسلام - : " كل مولود يولد على الفطرة . . " الحديث ، وقد نص على هذا في حديث آخر ، فقال : " جبل الله الخلق على معرفته فاجتالتهم الشياطين " .

                                                                                              وكأن معنى الحديث أنه لما مال إلى ما يتناول بالجبلة والطبع وما لا ينشأ عنه مفسدة وهو اللبن ، وعدل عما ليس كذلك مما يتوقع منه مفسدة أو من جنسه ، وهي إذهاب العقل الموصل للمصالح ، صوب الملك فعله ودعا له ، كما قال في الرواية الأخرى : " أصبت أصاب الله بك " ، ويحتمل أن يكون ذلك من باب التفاؤل والتشبيه ; لما كان اللبن أول شيء يدخل جوف الصبي ويشق أمعاءه ، فسمي بذلك فطرة .

                                                                                              [ ص: 389 ] و ( قوله : " وقد بعث إليه ؟ ") هو استفهام من الملائكة عن بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - وإرساله إلى الخلق . وهذا يدل على أنهم لم يكن عندهم علم من وقت إرساله ; لكونهم مستغرقين بالعبادة لا يفترون عنها . وقيل : معناه استفهامهم عن إرسال الله تعالى إليه بالعروج إلى السماء .

                                                                                              و " البيت المعمور " سمي بذلك ; لكثرة عمارته بدخول الملائكة فيه وتعبدهم عنده . و " الأسودة " جمع سواد ، وهي الأشخاص ، وسواد الإنسان شخصه ، يقال : لا يفارق سوادي سوادك ، وهي هاهنا أرواح بني آدم ، وقد فسرها بنسم بنيه . و " النسم " جمع نسمة ، كالشجر جمع شجرة . ولا يناقض هذا أن يخبر الشارع أن أرواح المؤمنين في الجنة أو في الصور الذي ينفخ فيه أو في القبور ، وأرواح الكافرين في سجين ; لأن هذا في أحوال مختلفة وأوقات متغايرة ، والله أعلم .

                                                                                              و " السدرة " واحدة السدر ، وهو شجر النبق ، وهو من أعظم الشجر جرما ، وهو أكثر شجر البادية عندهم له شوك . ولأجل هذا وصفه الله بكونه مخضودا ; أي : منزوع الشوك . وقد فسر المعنى الذي به سميت سدرة المنتهى في حديث عبد الله الآتي .

                                                                                              [ ص: 390 ] و ( قوله : " فلما غشيها من أمر الله ما غشي ") يعني . من جلال الله وعظيم شأنه وسلطانه ، تغيرت ; أي : انتقلت عن حالها الأول إلى حال أحسن منها .

                                                                                              و ( قوله : " في حديث مالك بن صعصعة : إن سدرة المنتهى يخرج من أصلها أربعة أنهار ، نهران باطنان في الجنة ، ونهران ظاهران وهما النيل والفرات ") يدل على أن السدرة ليست في الجنة ، بل خارجا عنها . وعلى ذلك أيضا يدل قوله تعالى : عندها جنة المأوى [ النجم : 15 ] ولكن قد جاء في حديث أبي هريرة : [ ص: 391 ] ما يدل على أن النيل والفرات ظاهران خارجان من الجنة . ويمكن أن يجمع بينهما ; أن النيل والفرات لما كانا مشاركين لنهري الجنة في أصل السدرة ، أطلق عليهما أنهما من الجنة . وسيحان وجيحان يمكن أن يكونا تفرعا من النيل والفرات ; لقرب انفجارهما من الأصل . وقيل : إن ذلك إنما أطلق تشبيها لهذه الأنهار بأنهار الجنة ; لما فيها من شدة عذوبتها وحسنها وبركتها ، والله تعالى أعلم .




                                                                                              الخدمات العلمية