الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        6098 - حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا أبو حذيفة ، عن سفيان ، عن السدي ، عن عكرمة : فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ، قال : نسختها هذه الآية : وأن احكم بينهم بما أنـزل الله ولا تتبع أهواءهم .

                                                        وقال الآخرون : تأويلها ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله إن حكمت ) ، فلما اختلف في تأويل هذه الآية ، وكانت الآثار قد دلت على ما ذكرنا ثبت الحكم عليهم على إمام المسلمين ، [ ص: 143 ] ولم يكن له تركه ؛ لأن في حكمه النجاة في قولهم جميعا ؛ لأن من يقول : عليه أن يحكم يقول : قد ترك ما كان عليه أن يفعله .

                                                        ومن يقول : له أن لا يحكم يقول : قد ترك ما كان له تركه ، فإذا حكم يشهد له الفريقان جميعا بالنجاة ، وإذا لم يحكم لم يشهدا له بذلك .

                                                        فأولى الأشياء بنا أن نفعل ما فيه النجاة بالاتفاق دون ما فيه ضد النجاة بالاختلاف .

                                                        وهذا الذي ذكرنا من وجوب الحكم عليهم قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، رحمهم الله تعالى .

                                                        فإن قال قائل : فأنتم لا ترجمون اليهود إذا زنوا فقد تركتم بعض ما في الحديث الذي به احتججتم .

                                                        قيل له : إن الحكم كان في الزناة في عهد موسى عليه السلام هو الرجم على المحصن وغير المحصن .

                                                        وكذلك كان جواب اليهودي الذي سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حد الزاني في كتابهم ، فلم ينكر ذلك عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فكان على النبي صلى الله عليه وسلم اتباع ذلك ، والعمل به ؛ لأن على كل نبي اتباع شريعة النبي الذي كان قبله حتى يحدث الله شريعة تنسخ شريعته ؛ قال الله تعالى : أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ؛ فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهوديين على ذلك الحكم ، ولا فرق حينئذ في ذلك بين المحصن وغير المحصن .

                                                        ثم أحدث الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم شريعة فنسخت هذه الشريعة ؛ فقال : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا .

                                                        وكان هذا ناسخا لما كان قبله ، ولم يفرق في ذلك بين المحصن وغير المحصن .

                                                        ثم نسخ الله تعالى ذلك فجعل الحد هو الإيذاء بالآية التي بعدها ، ولم يفرق في ذلك أيضا بين المحصن وغيره .

                                                        ثم جعل لهن سبيلا ؛ البكر بالبكر جلد مائة ، وتعذيب عام ، والثيب جلد مائة ، والرجم .

                                                        فرق حينئذ بين حد المحصن وحد غير المحصن الجلد ، ثم اختلف الناس من بعد في الإحصان .

                                                        فقال قوم : لا يكون الرجل محصنا بامرأته ، ولا المرأة محصنة بزوجها حتى يكونا حرين مسلمين بالغين قد جامعها وهما بالغان في نكاح صحيح .

                                                        وممن قال بذلك : أبو حنيفة ، وأبو يوسف ومحمد ، رحمهم الله تعالى .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية